السؤال :
في قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ قَالَ تعالى عَنْ قَابِيلَ القَاتِلِ: ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾. وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ النَّدَمَ تَوْبَةٌ، فَلِمَاذَا كُلَّمَا قَتَلَ إِنْسَانٌ آخَرَ ظُلْمًا يَتَحَمَّلُ قَابِيلُ وِزْرَهُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12218
 2022-10-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾. نَدَمُ قَابِيلَ هَذَا نَدَمٌ عَلَى فَقْدِ أَخِيهِ، لَا عَلَى قَتْلِهِ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وَلَو كَانَتْ نَدَامَتُهُ عَلَى قَتْلِهِ لَكَانَتِ النَّدَامَةُ تَوْبَةً مِنْهُ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: رَوَى الحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «النَّدَمُ تَوْبَةُ؟».

قَالَ: نَعَمْ، أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ».

وَقَدْ قِيلَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ تَجْمَعُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءٍ: النَّدَمُ بِالقَلْبِ، الاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ، وَإِضْمَارُ أَنْ لَا يَعُودَ، وَمُجَانَبَةُ قُرَنَاءِ السُّوءِ.

ثَالِثًا: رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ». المَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ» قَابِيلُ حَيْثُ قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيلَ، يَعْنِي: عَلَيْهِ نَصِيبٌ مِنْ وِزْرِ القَتْلِ ظُلْمًا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ ظُلْمًا.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَنَدَمُ قَابِيلَ المُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾. لَيْسَ نَدَمَ تَوْبَةٍ، بَلْ نَدَمٌ عَلَى فَقْدِ أَخِيهِ، وَلَو كَانَ نَدَمَ تَوْبَةٍ لَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ».

لِأَنَّ مَنْ وَقَعَ في الذَّنْبِ ثُمَّ تَابَ إلى اللهِ تعالى مِنْهُ، فَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِ مَا عَمِلَ، لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَالَفَ في أَكْلِ مَا نُهِيَ عَنْهُ سَيِّدُنَا آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَا يَكُونُ عَلَى سَيِّدِنَا آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ حَاشَاهُ ـ شَيْءٌ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَصَى بِأَكْلِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَعْدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِأَنَّهُ تَابَ إلى اللهِ تعالى مِنْ ذَلِكَ، وَتَابَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ وَقَبِلَ تَوْبَتَهُ، فَصَارَ كَمَنْ لَمْ يَعْصِ. هذا، والله تعالى أعلم.