السؤال :
مَا حُكْمُ بَيْعِ الذَّهَبِ القَدِيمِ بِجَدِيدٍ مَعَ دَفْعِ الفَرْقِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12264
 2022-10-27

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الذَّهَبِ عُمُومًا تُعْتَبَرُ مِنَ النَّاحِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ صِنْفًا وَاحِدًا، وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا، مَهْمَا كَانَتِ الفَوَارِقُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، مِنْ حَيْثُ الجُودَةُ وَعَدَمُهَا، وَمِنْ حَيْثُ مِعْيَارُهَا، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّمَاثُلِ في الوَزْنِ وَالتَّقَابُضِ عِنْدَ إِرَادَةِ مُبَادَلَتِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِالصَّنْعَةِ (أَيْ: الصِّيَاغَةِ).

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ (أَيْ: لَا تُفَضِّلُوا، وَالشَّفُّ الزِّيَادَةُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى النُّقْصَانِ فَهُوَ مِنَ الأَضْدَادِ؛ يُقَالُ: شَفَّ الدِّرْهَمَ يَشِفُ إِذَا زَادَ وَإِذَا نَقَصَ) وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ (يَعْنِي الفِضَّةَ) إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ (المُرَادُ بِالنَّاجِزِ الحَاضِرُ وَبِالغَائِبِ المُؤَجَّلُ)».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَبَيْعُ الذَّهَبِ القَدِيمِ بِذَهَبٍ جَدِيدٍ جَائِزٌ بِشَرْطِ التَّمَاثُلِ في الوَزْنِ، وَالتَّقَابُضِ في مَجْلِسِ العَقْدِ، وَلَايَجُوزُ تَأْخِيرُ القَبْضِ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا التَّبْدِيلُ أَوِ البَيْعُ يَشْمَلُ زِيَادَةً مِنْ ذَهَبٍ أَو مَالٍ فَلَا يَجُوزُ، وَيَجِبُ فَسْخُ هَذَا البَيْعِ، وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدُ البَائِعَيْنِ مِنْ مَعْرِفَةِ الثَّانِي فَتَجِبُ التَّوْبَةُ وَالاسْتِغْفَارُ مِنْ هَذَا البَيْعِ، وَالصَّدَقَةُ بِمَا تَيَسَّرَ، لِأَنَّ هَذِهِ المُعَامَلَةَ مِنَ المُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ، وَمِنَ المُوبِقَاتِ السَّبْعِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.

وَإِذَا لَمْ تُمْكِنِ المُمَاثَلَةُ وَزْنًا بِوَزْنٍ، فَلْيَبِعِ المُشْتَرِي الذَّهَبَ القَدِيمَ وَلْيَقْبَضْ ثَمَنَهُ، ثُمَّ لِيَشْتَرِ الجَدِيدَ وَلْيَدْفَعْ ثَمَنَهُ.

وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ البَيْعِ مَعَ الشِّرَاءِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ عَقْدَيْنِ في عَقْدٍ.

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الجَمْعِ (نُعْطَى مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ) وَهُوَ الخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ (المَخْلُوطُ مِنْ أَنْوَاعٍ مُتَفَرِّقَةٍ) وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ (لَا تَبِيعُوا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ) وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ».

وَفي رِوَايَةٍ للشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ (نَوْعٌ جَيِّدٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْرِ).

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟».

فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ (الجَمْعُ: الرَّدِيءُ أَو الخَلِيطُ مِنَ التَّمْرِ) ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا». هذا، والله تعالى أعلم.