السؤال :
مَا هِيَ شُرُوطُ صِحَّةِ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتْ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَو جَمْعَ تَأْخِيرٍ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12266
 2022-10-27

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالقَصْرُ في الصَّلَاةِ أَثْنَاءَ السَّفَرِ جَائِزٌ شَرْعًا، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾. وَالقَصْرُ جَائِزٌ في حَالَةِ الخَوْفِ وَالأَمْنِ.

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ.

فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتُ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ».

وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: قَصْرُ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَاجِبٌ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ.

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ».

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رُخْصَةٌ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، فَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يُتِمَّ أَو يَقْصُرَ، وَالقَصْرُ أَفْضَلُ مِنَ الإِتْمَامِ.

ثَالِثًا: يَبْدَأُ القَصْرُ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ بِالسَّفَرِ، وَبِتَجَاوُزِ العُمْرَانِ مِنَ الجَانِبِ الذي خَرَجَ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصُرَ قَبْلَ بَدْءِ السَّفَرِ وَلَو نَوَى السَّفَرَ.

رَابِعًا: يَقْصُرُ المُسَافِرُ في طَرِيقِ سَفَرِهِ، وَفي البَلَدِ التي سَافَرَ إِلَيْهَا مَا لَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا، فَإِنْ نَوَى الإِقَامَةَ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ، وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ؛ هَذَا عِنْدَ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ.

أَمَّا عِنْدَ السَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ، فَيَقْصُرُ وَيَجْمَعُ في طَرِيقِ سَفَرِهِ، وَفي البَلَدِ التي سَافَرَ إِلَيْهَا مَا لَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا نَوَى الإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ صَلَاتَهُ.

وَلَمْ يَحْسِبِ الشَّافِعِيَّةُ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ، وَاعْتَبَرُوا اليَوْمَ الأَوَّلَ لِحَطِّ الأَمْتِعَةِ، وَفي الثَّانِي الرَّحِيلَ، وَهُمَا مِنْ أَشْغَالِ المُسَافِرِ.

خَامِسًا: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى جَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ تَقْدِيمًا أَو تَأْخِيرًا، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، خِلَافًا للسَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ.

سَادِسًا: يُشْتَرَطُ لِجَمْعِ التَّقْدِيمِ عِنْدَ السَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ سِتَّةُ شُرُوطٍ:

1ـ نِيَّةُ الجَمْعِ في أَوَّلِ الصَّلَاةِ الأُولَى.

2ـ التَّرْتِيبُ، أَيْ: البُدَاءَةُ بِالأُولَى صَاحِبَةِ الوَقْتِ، لِأَنَّ الوَقْتَ لَهَا، ثُمَّ تُصَلَّى الثَّانِيَةُ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ للأُولَى، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ المَتْبُوعِ.

3ـ المُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا، فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ إِلَّا بِالإِقَامَةِ.

4ـ دَوَامُ السَّفَرِ إلى الإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ.

5ـ بَقَاءُ وَقْتِ الصَّلَاةِ الأُولَى يَقِينًا إلى الدُّخُولِ بِالصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ.

6ـ التَّيَقُّنُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ الأُولَى، لِأَنَّهَا إِذَا فَسَدَتْ فَسَدَتِ الثَّانِيَةُ.

وَيُشْتَرَطُ لِجَمْعِ التَّأخِيرِ شَرْطَانِ فَقَطْ:

الشَّرْطُ الأَوَّلُ: نِيَّةُ التَّأْخِيرِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الأُولَى، فَإِنْ نَوَى الجَمْعَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الأُولَى كَانَ آثِمًا، وَتَكُونُ الصَّلَاةُ الأُولَى قَضَاءً، وَالثَّانِيَةُ حَاضِرَةً.

الشَّرْطُ الثَّانِي: دَوَامُ السَّفَرِ إلى تَمَامِ الصَّلَاتَيْنِ، فَإِنْ نَوَى الإِقَامَةَ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاتَيْنِ، صَارَتِ الأُولَى قَضَاءً، وَالثَّانِيَةُ حَاضِرَةً.

أَمَّا التَّرْتِيبُ فَلَيْس بِوَاجِبٍ، لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتُ الأُولَى، فَجَازَتِ البِدَايَةُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ المُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ كَصَلَاةِ فَائِتَةٍ مَعَ صَلَاةٍ حَاضَرَةٍ، فَجَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، وَالتَّرْتِيبُ وَالتَّتَابُعُ سُنَّتَانِ وَلَيْسَا شَرْطَيْنِ. هذا، والله تعالى أعلم.