السؤال :
هَلْ دُخُولُ الجَنَّةِ بِالفَضْلِ أَمْ بِالعَمَلِ؟ فَإِنْ كَانَ بِالفَضْلِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12332
 2022-12-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ».

قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «لَا، وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ».

وَفي رِوَايَةٍ للإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ».

قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ» وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ.

وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا الحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. فَالبَاءُ هُنَا سَبَبِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ بَاءَ مُقَابَلَةٍ، كَمَا يَقُولُ القَائِلُ: اشْتَرَيْتُ هَذَا بِهَذَا.

فَأَيُّ عَمَلٍ يَقُومُ بِهِ الإِنْسَانُ هُوَ مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى، وَلَيْسَ مِنْ جِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ، بَلْ هُوَ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ تعالى وَفَضْلِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

فَجَمِيعُ الطَّاعَاتِ مِنْ فَضْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَمَا دَامَتْ مِنْ فَضْلِهِ فَلَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مُقَابِلَ دُخُولِ الجَنَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. فَالبَاءُ سَبَبِيَّةٌ، أَيْ: بِسَبَبِ هَذَا العَمَلِ، يُدْخِلُكُمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ جَنَّتَهُ بِفَضْلِهِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالبَاءُ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ بَاءٌ سَبَبِيَّةٌ، وَالبَاءُ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ بَاءُ مُقَابَلَةٍ، فَلَيْسَ العَمَلُ عِوَضًا أَو ثَمَنًا كَافِيًا لِدُخُولِ الجَنَّةِ، بَلْ دُخُولُهَا بِالفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ.

فَلَا بُدَّ مِنَ العَمَلِ لِنَيْلِ الفَضْلِ، قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. وَبَعْدَ العَمَلِ يَرْجُو العَبْدُ الفَضْلَ مِنَ اللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم