السؤال :
إِذَا كَانَتِ المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ صَائِمَةً وَمُصَلِّيَةً، إِلَّا أَنَّهَا مُتَبَرِّجَةٌ، فَهَلْ تَكُونُ مِنَ الخَالِدِينَ في النَّارِ بِسَبَبِ تَبَرُّجِهَا وَغِوَايَتِهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12335
 2022-12-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَتَبَرُّجُ النِّسَاءِ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَقَدْ وَرَدَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَقِّهِنَّ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا». هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: هَذَا الوَعِيدُ يَنْتَفِي بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ قَبْلَ وُقُوعِ الرُّوحِ في الغَرْغَرَةِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

ثَالِثًا: مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ المَرْأَةَ المُتَبَرِّجَةَ الكَاسِيَةَ العَارِيَةَ، لَا تَجِدُ رِيحَ الجَنَّةَ، وَلَا تَدْخُلُ الجَنَّةَ، لَهُ تَأْوِيلَانِ:

الأَوَّلُ: إِذَا اسْتَحَلَّتِ المَرْأَةُ هَذَا الأَمْرَ مَعَ عِلْمِهَا بِحُكْمِهِ، فَتَكُونُ كَافِرَةً وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، لِاسْتِحْلَالِهَا مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى، وَبِذَلِكَ تَكُونُ مِنَ الخَالِدِينَ في نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَو صَامَتْ وَلَو صَلَّتْ.

الثَّانِي: إِذَا لَمْ تَسْتَحِلَّ هَذَا الأَمْرَ، وَعَلِمَتْ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمْرُهَا إلى اللهِ تعالى، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهَا، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهَا، فَإِنْ عَذَّبَهَا فَلَنْ تَدْخُلَ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً، بَلْ تَدْخُلُهَا نِهَايَةً.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَذِهِ المَرْأَةُ الصَّائِمَةُ المُصَلِّيَةُ أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ تَنْهَاهَا صَلَاتُهَا وَصِيَامُهَا عَنِ التَّبَرُّجِ، وَأَنْ يُكْرِمَهَا اللهُ بِحُسْنِ الخَاتِمَةِ، فَإِنْ أَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ اسْتِحْلَالِ هَذَا الفِعْلِ، وَمَاتَتْ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مِنَ الخَالِدِينَ في النَّارِ، لِأَنَّهَا اسْتَحَلَّتْ مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى؛ وَإِنْ لَمْ تَسْتَحِلَّ ذَلِكَ، وَكَانَتْ مُتَبَرِّجَةً، فَأَمْرُهَا إلى اللهِ تعالى، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهَا، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهَا، وَإِنْ عَذَّبَهَا فَلَنْ تَدْخُلَ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً مَعَ الفَائِزِينَ، بَلْ تَدْخُلُهَا نِهَايَةً بَعْدَ عَذَابِهَا. هذا، والله تعالى أعلم.