السؤال :
مَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12370
 2023-01-30

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ خِطَابٌ لِأَهْلِ الغَفْلَةِ عَنِ اللهِ تعالى، وَعَنْ سَكَرَاتِ المَوْتِ، وَعَنِ القَبْرِ، وَعَنْ أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾. هَذَا هُوَ الأَصْلُ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ: العِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

فَمَنْ كَانَ في حَالَةِ غَفْلَةٍ عَنِ اللهِ تعالى، وَعَنْ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَهُوَ في غَفْلَةٍ كَذَلِكَ عَنِ المَوْتِ وَسَكَرَاتِهِ، وَغَافِلٌ عَمَّا سَيَكُونُ في القَبْرِ، وَعَمَّا سَيَكُونُ في أَرْضِ المَحْشَرِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالعَبْدُ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَحْضُرَهُ سَكَرَاتُ المَوْتِ، وَيُوقِنَ أَنَّهُ مَيِّتٌ تَنْكَشِفُ لَهُ الحَقَائِقُ، وَيَرَى مَا لَا يَرَاهُ مَنْ حَوْلَهُ، كَمَا قَالَ تعالى في حَالِ العَبْدِ الغَافِلِ عَنِ المَوْتِ وَسَكَرَاتِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. انْكَشَفَتْ لَهُ الحَقَائِقُ التي كَانَ يُنْكِرُهَا، فَقَالَ الذي قَالَ؛ وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾.

وَعِنْدَمَا يُحْمَلُ عَلَى نَعْشِهِ، يُكْشَفُ لَهُ عَنْ بَصَرِهِ فَيَرَى حَقِيقَةَ القَبْرِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصَعِقَ».

وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾.

وَإِذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ يُكْشَفُ لَهُ عَنْ حَقِيقَةِ عَالَمِ الآخِرَةِ قَبْلَ يَوْمِ البَعْثِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ، وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ.

فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ».

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الكَافِرُ ـ أَوِ المُنَافِقُ ـ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ.

فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ».

وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾.

وَفي الخِتَامِ أَقُولُ: لِنَقْرَأِ الآيَاتِ التي ذَكَرَهَا اللهُ تعالى في سُورَةِ ﴿ق﴾ بِتَدَبُّرٍ: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾. يَعْنِي: كَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ مِنْ عِنْدِ سَكَرَاتِ المَوْتِ إلى أَنْ تَقِفَ في أَرْضِ المَحْشَرِ وَمَعَكَ سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، فَكُلُّ مَا كَانَ غَيْبًا عَنْكَ لَا تَرَاهُ بِبَصَرِكَ، يُصْبِحُ حَقِيقَةً مُشَاهَدَةً مِنْ سَاعَةِ سَكَرَاتِ المَوْتِ.

اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنَا مِنَ الغَافِلِينَ عَنْ حَقَائِقِ المَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.