السؤال :
أَنَا شَابٌّ أَعْمَلُ في الجَامِعَةِ، وَأَكْرَمَنِي اللهُ تعالى بِحُسْنِ الهَيْئَةِ، وَعَمَلِي فِيهِ اخْتِلَاطٌ مَعَ النِّسَاءِ، وَأَخْشَى مِنَ العَلَاقَاتِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ، فَمَا الحِيلَةُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12377
 2023-02-02

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَخِي الكَرِيمَ، أَقُولُ لَكَ: الحَذَرَ الحَذَرَ، وَكُنْ حَرِيصًا عَلَى الابْتِعَادِ عَنِ النَّارِ خَشْيَةَ الاحْتِرَاقِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَلَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِتَطْهِيرِ المُجْتَمَعِ مِنَ الرَّذَائِلِ، وَإِغْلَاقِ جَمِيعِ الأَبْوَابِ التي تُؤَدِّي إِلَيْهَا، حَتَّى يَبْتَعِدَ العَبْدُ عَنِ المَعْصِيَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ نَلْحَظَ هُنَا عِدَّةَ أُمُورٍ:

أَوَّلًا: لَقَدْ نَهَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَرْأَةَ أَنْ تَمْشِيَ وَسَطَ الطَّرِيقِ خَشْيَةَ اخْتِلَاطِهَا مَعَ الرِّجَالِ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ (يَعْنِي: لَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يَذْهَبْنَ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ) عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ».

فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ.

ثَانِيًا: لَقَدْ أَمَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتْرَكَ بَابٌ في مَسْجِدِهِ، وَمَا زَالَ هَذَا البَابُ مَوْجُودًا، وَقَدْ كُتِبَ عَلَيْهِ بَابُ النِّسَاءِ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُفُّ النِّسَاءَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَالوِلْدَانِ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ لِقَوْمِهِ: أَلَا أُصَلِّي لَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَصَفَّ الرِّجَالُ، ثُمَّ صَفَّ الْوِلْدَانُ خَلْفَ الرِّجَالِ، ثُمَّ صَفَّ النِّسَاءُ خَلْفَ الْوِلْدَانِ.

وَإِذَا انْتَهَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلى الصَّحَابَةِ حَتَّى تَخْرُجَ النِّسَاءُ بَعْدَ صَلَاتِهِ.

ثَالِثًا: لَقَدْ نَهَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ، وَلَو كُنَّ مِنْ قَرِيبَاتِ الزَّوْجِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟

قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

رَابِعًا: نَهَى الرِّجَالَ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدُهُمْ عَنِ المُغِيبَةِ، رَوَى الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا، فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا، حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ (التي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا) وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ (التي اغْبَرَّ وَتَلَبَّدَ وَتَوَسَّخَ شَعْرُ رَأْسِهَا».

خَامِسًا: نَهَى عَنِ الاخْتِلَاطِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ».

سَادِسًا: نَهَى عَنْ سَفَرِ المَرْأَةِ بِدُونِ مَحْرَمٍ خَشْيَةَ الفِتْنَةِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَغُضَّ مِنْ بَصَرِكَ، وَلَا تَخْلُوَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَتَضْبِطَ نَفْسَكَ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا تَسْتَرْسِلَ بِالحَدِيثِ مَعَ النِّسَاءِ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى، وَإِلَّا فَانْجُ بِنَفْسِكَ، وَسَلَامَةُ دِينِكَ أَهَمُّ مِنْ دُنْيَاكَ.

وَاعْتَبِرْ مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الذي كَانَ يَفُوقُكَ في الجَمَالِ مَهْمَا كَانَ جَمَالُكَ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا حَصَلَتِ الخَلْوَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَةِ العَزِيزِ ـ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ، لِأَنَّهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ كَانَ عَبْدًا رَقِيقًا ـ عَرَضَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ عَلَيْهِ نَفْسُهَا، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الاخْتِلَاطِ الذي يُوصِلُكَ إلى جَعْلِ عَلَاقَاتٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَ النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ.

وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، وَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا هُوَ الدَّاعِي لِهَذَا الاخْتِلَاطِ؟ أَمَا آنَ للأُمَّةِ أَنْ تَسْتَيْقِظَ؟ هذا، والله تعالى أعلم.