السؤال :
مَا مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12386
 2023-02-06

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾. المَقْصُودُ بِهِ كَلَامُ اللهِ تعالى الذي أَنْزَلَهُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حَقٌّ لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَلَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ نَقْضَهُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾. يُفِيدُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِالقُرْآنِ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ جَمِيعًا بِهِ، لَا لِيَحْكُمَ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ بِهِ فَقَطْ.

وَمِنْ شُرُوطِ الحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ القِيَامُ بِالعَدْلِ فِيمَا يَخْتَصِمُونَ فِيهِ، فَلَا يُقَالُ فِي الخُصُومَاتِ، هَذَا مُسْلِمٌ، وَهَذَا كَافِرٌ، بَلْ يُقَالُ هَذَا حَقٌّ، وَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِذَا كَانَ الحَقُّ مَعَ الكَافِرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُدْفَعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الحَقُّ مَعَ المُسْلِمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُدْفَعَ لَهُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾. أَيْ: لَا تَكُنْ مُخَاصِمًا لِأَجْلِ الخَائِنِينَ.

وَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ، ذَلِكَ أَنَّ طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِق سَرَقَ دِرْعًا وَخَبَّأَهَا عِنْد يَهُودِيٍّ، فَوُجِدَتْ عِنْده، فَرَمَاهُ طُعْمَةُ بِهَا وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا سَرَقَهَا، فَسَأَلَ قَوْمُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَادِلَ عَنْهُ وَيُبْرِّئَهُ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾. الحَدِيثَ مُخْتَصَرًا مِنْ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالحَقُّ سُبْحَانَهُ وتعالى أَنْزَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِالحَقِّ، لِيَكُونَ حَاكِمًا عَلَى النَّاسِ، وَفي قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ، وَلِكُلِّ قَاضٍ مِنْ بَعْدِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْحَازَ فِكْرُهُ إلى أَحَدِ الخَصْمَيْنِ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الخَائِنَ وَخَصْمُهُ البَرِيءَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ البَيِّنَاتِ، وَيَجْعَلَهَا الحَاكِمَةَ. هذا، والله تعالى أعلم.