السؤال :
لَقَدْ كَثُرَتِ الفِرَقُ الإِسْلَامِيَّةُ اليَوْمَ، وَأَصْبَحَ الإِنْسَانُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، فَأَيُّ فِرْقَةٍ هِيَ الأَصَحُّ حَتَّى يَلْتَزِمَهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13338
 2024-09-20

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أَوَّلًا: لِمَاذَا أَنْتَ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ، وَقَدْ تَرَكَكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى البَيْضَاءِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟

قَالَ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ».

ثَانِيًا: أَمَا قَرَأْتَ أَوْصَافَ المُجْتَمَعِ الإِيمَانِيِّ في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

قَطْعًا نَحْنُ لَسْنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَلَا مِنَ الأَنْصَارِ، نَحْنُ مِنَ الَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَإِذَا انْطَبَقَتْ عَلَيْنَا صِفَاتُ الَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَنَحْنُ عَلَى خَيْرٍ وَالبِشَارَةُ تَأْتِينَا مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

ثَالِثًا: لِمَاذَا أَنْتَ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ؟ مَنِ الْتَزَمَ الأَدَبَ مَعَ سَلَفِ الأُمَّةِ وَخَلَفِهَا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الحَقِّ، أَمَا قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ، وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِئِهِمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَجَرَّأُ عَلَى سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الأَئِمَّةِ وَالفُقَهَاءِ الَّذِينَ حَفِظَ اللهُ تعالى بِهِمُ الدِّينَ؟ بَلْ كَيْفَ يَتَجَرَّأُ عَلَى صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ الذينَ كَانُوا في خَيْرِ القُرُونِ؟ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ».

بَلْ كَيْفَ يَتَجَرَّأُ عَلَى مَنْ قَالَ فِيهِمُ الحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ أَيَّ فِرْقَةٍ هِيَ الأَصَحُّ، فَانْظُرْ في أَوْصَافِهَا، هَلْ يَدْعُونَ لِسَلَفِ الأُمَّةِ وَلَا يَذْكُرُونَهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ؟ وَهَلْ قُلُوبُهُمْ سَلِيمَةٌ عَلَى مَنْ عَاصَرَهُمْ؟ وَكَانُوا حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ عَلَى الْتِزَامِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنَا أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ».

ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ»؟ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَهَلْ يُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِالآخَرِينَ؟

فَإِنْ كَانَ هَذَا وَصْفَهُمْ فَهُمْ أَهْلُ الحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَلُزُومُ صُحْبَتِهِمْ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، حَتَّى يَسْلَمَ عَلَى دِينِهِ، رَوَى ابنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَابْنَ عُمَرَ، دِينَكَ دِينَكَ، إنَّمَا هُوَ لَحْمُكَ وَدَمُكَ، فَانْظُرْ عَمَّنْ تَأْخُذُ، خُذْ عَنِ الذينَ اسْتَقَامُوا وَلَا تَأْخُذْ عَنِ الذينَ مَالُوا». هذا، والله تعالى أعلم.