طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: لَا يَجُوزُ للأَبِ أَنْ يُجْبِرَ ابْنَتَهُ عَلَى الزَّوَاجِ مِمَّنْ لَا تَرْغَبُ فِيهِ، لِأَنَّ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ تُبْنَى عَلَى المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَلَا سَبِيلَ لِتَحْقِيقِ هَذِهِ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ إِذَا كَانَ الزَّوَاجُ بِالإِكْرَاهِ.
روى ابن ماجه عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ، لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ.
فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا ـ يَعْنِي: إِنْ أَرَادَتِ الطَّلَاقَ يُطَلِّقُهَا مِنْهُ وَيَفْسَخُ العَقْدَ ـ.
فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ـ أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ إِكْرَاهُ الفَتَاةِ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ ـ.
وَلَكِنِ اللَّائِقُ بِالفَتَاةِ أَنْ تُطِيعَ وَالِدَهَا في ذَلِكَ، وَخَاصَّةً إِنْ كَانَ وَالِدُهَا مِنْ ذَوِي الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، وَالسِّيرَةِ الطَّيِّبَةِ، وَمِنْ أُولِي النُّهَى، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الأَبِ أَرْأَفُ وَأَعْرَفُ بِمَصْلَحَتِهَا، وَهِيَ لَا تُدْرِكُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهَا أَنْ تُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ بِأَنْ يُعِينَهَا اللهُ تعالى عَلَى إِرْضَاءِ وَالِدِهَا، وَقُلُوبُ العِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَاللُه لَا يُخَيِّبُ العَبْدَ إِذَا وَقَفَ بِبَابِهِ.
ثانياً: هَذِهِ الفَتَاةُ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى لَا تَكُونُ عَاصِيَةً إِنْ خَالَفَتْ أَمْرَ أَبِيهَا، إِذَا كَانَتْ تَرْعَى حُدُودَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَقِفُ عِنْدَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |