السؤال :
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل؟ قال: (كلمة عدل عند إمام جائر) ما مدى صحة هذا الحديث؟ سؤالي لفضيلتك هو: هل يجوز للفتاة أن تقوم بمثل هذا الجهاد مع ما يمكن أن يترتب عنه على حيائها؟ ثم هل يجب أن يكون هذا الأمر برضا والديها وباستشارتهم إذا كانت الفتاة هي رفيقة والديها الوحيدة بعد أن تزوج الابن، والأم مصابة بمرض مزمن يضعفها والأب مصاب بارتفاع ضغط الدم، فأي الجهاد أفضل في هذه الحالة، كلمة عدل عند إمام جائر أم رعاية والديها؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 1712
 2009-01-27

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد جاء في مسند الإمام أحمد قوله صلى الله عليه وسلم: (أَلا إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ).

وذكر الفقهاء أن قوله صلى الله عليه وسلم: (كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) إذا أمن على نفسه القتل أو أن يلحقه من البلاء ما لا قِبَلَ له به، ويكفي المؤمنَ في مثل هذا الحال أن يُنكِر بقلبه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ) قَالُوا: يَا رَسُولَ الله أَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: (لا مَا أَقَامُوا الصلاة) رواه مسلم.

وقال الإمام الطبري: والصواب أن الواجب على كلِّ من رأى منكراً أن ينكره إذا لم يخف على نفسه عقوبةً لا قِبَلَ له بها، لورود الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة للأئمة (في غير معصية)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ)، قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: (يَتَعَرَّضُ مِنْ الْبَلَاءِ لِمَا لا يُطِيقُ) رواه الترمذي.

وبناءً على ذلك:

فيكفي للمرأة أن تُنْكِرَ المنكرَ بقلبها إذا رأته من السلطان، وأن لا تعرِّض نفسها لخدش حيائها، وأن تقوم بخدمة والديها، فإنَّ خدمتها لوالديها هو جهادها.

أخرج البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ)؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ).

وروى النسائي عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السَّلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ)؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا). هذا، والله تعالى أعلم.