طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مَا يُوجِبُ الغُسْلَ يُسَمَّى حَدَثَاً أَكْبَرَ، وَمَا يُوجِبُ الوُضُوءَ يُسَمَّى حَدَثَاً أَصْغَرَ، والذي يُوجِبُ الغُسْلَ أَسْبَابٌ؛ مِنْهَا:
1ـ خُرُوجُ المَنِيُّ، وَهُوَ المَاءُ الغَلِيظُ الدَّافِقُ الذي يَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ، وَهُنَاكَ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنَ الرَّجُلِ عِنْدَ الشَّهْوَةِ، وَلَكِنْ لَوْنُهُ أَبْيَضُ، وَهُوَ رَقِيقٌ، هَذَا يُسَمَّى مَذْيَاً.
أَمَّا الوَدْيُ هُوَ مَاءٌ غَلِيظٌ يَخْرُجُ عَقِبَ البَوْلِ وَالتَّعَبِ، فَالمَاءُ الذي يُسَمَّى مَذْيَاً أَو وَدْيَاً لَا يُوجِبُ الغُسْلَ بَلِ الوُضُوءَ.
2ـ الْتِقَاءُ الخِتَانَيْنِ ـ كِنَايَةٌ عَنِ الجِمَاعِ ـ وَلَا يُشْتَرَطُ الإِنْزَالُ، فَمُجَرَّدُ الْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ يُوجِبُ الغُسْلَ.
3ـ رُؤْيَةُ المَنِيِّ مِنْ غَيْرِ تَذَكُّرِ احْتِلَامٍ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامَاً؟
قَالَ: «يَغْتَسِلُ».
وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلَاً؟
قَالَ: «لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» أخرجه الترمذي.
4ـ الطَّهَارَةُ مِنَ الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مُوجِبٌ للغُسْلِ عِنْدَ النِّسَاءِ.
فَهَذِهِ بَعْضُ الأُمُورِ التي تُوجِبُ الغُسْلَ عَلَى المُسْلِمِ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ للوُضُوءِ قَدْ يَكُونُ فَرْضَاً، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبَاً، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبَاً، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهَاً، وَقَدْ يَكُونُ حَرَامَاً.
فَالوُضُوءُ يَكُونُ فَرْضَاً في الحَالَاتِ التَّالِيَةِ:
أولاً: إِذَا أَرَادَ المُسْلِمُ القِيَامَ للصَّلَاةِ فَرْضَاً كَانَتْ أَو نَفْلَاً، وَلِصَلَاةِ الجَنَازَةِ وَلِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ.
ثانياً: إِذَا أَرَادَ مَسَّ القُرْآنِ وَلَو آيَةً مَكْتُوبَةً عَلَى وَرَقٍ أَو نُقُودٍ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ﴾.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمَسُّ القُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ» رواه مالك.
وَيَكُونُ وَاجِبَاً للطَّوَافِ حَوْلَ الكَعْبَةِ. وَقَالَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ غَيْرُ الحَنَفِيَّةِ: إِنَّهُ فَرْضٌ.
وَيَكُونُ مَنْدُوبَاً في الحَالَاتِ التَّالِيَةِ:
أولاً: التَّوَضُّؤُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ بِوُضُوءٍ، وَمَعَ كُلِّ وُضُوءٍ بِسِوَاكٍ» رواه أحمد.
فَالوُضُوءُ عَلَى الوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ، وَفِي الحَدِيثِ: «لَنْ يُحَافِظَ عَلَى الوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» رواه ابن ماجه.
ثانياً: لَمْسُ الكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ، وَإِذَا كَانَ القُرْآنُ أَكْثَرَ مِنَ التَّفْسِيرِ حَرُمَ المَسُّ إِلَّا بِوُضُوءٍ.
ثالثاً: للنَّوْمِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَا وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» رواه البخاري.
ثالثاً: قَبْلَ غُسْلِ الجَنَابَةِ، وَللجُنُبِ عِنْدَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ.
رابعاً: عِنْدَ ثَوْرَةِ الغَضَبِ، لِأَنَّ الوُضُوءَ يُطْفِئُهُ.
خامساً: لِقِرَاءَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ غَيْبَاً، وَلِمُطَالَعَةِ الكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ.
سادساً: للأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَإِلْقَاءِ خُطْبَةٍ، وَلَو خُطْبَةَ زَوَاجٍ.
سابعاً: بَعْدَ ارْتِكَابِ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ.
وَيَكُونُ الوُضُوءُ مَكْرُوهَاً: كَإِعَادَةِ الوُضُوءِ قَبْلَ أَدَاءِ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ الوُضُوءِ الأَوَّلِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الإِسْرَافِ.
وَيَكُونُ الوُضُوءُ حَرَامَاً: إِذَا كَانَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |