طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الأَخُ الكَرِيمُ التَّوَّابُ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
أَوَّلًا: أُهَنِّئُكَ بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى، وَأُبَشِّرُكَ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ وَمِنْ تَكَالِيفِ الإِسْلَامِ التَّوْبَةُ، فَعِنْدَمَا شَرَحَ اللهُ صَدْرَكَ للتَّوْبَةِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى إِرَادَةِ اللهِ لِهِدَايَتِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
ثَانِيًا: اقْرَأْ يَا أَخِي بِتَدَبُّرٍ قَوْلَ اللهِ تعالى في صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.
فَإِذَا تُبْتَ إلى اللهِ تعالى مِنْ ذَنْبِكَ، وَجَدَّدْتَ إِيمَانَكَ بِكَثْرَةِ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَعَمِلْتَ العَمَلَ الصَّالِحَ بَعْدَ الذَّنْبِ، فَاللهُ تعالى وَعَدَ عِبَادَهُ بِأَنْ يُبَدِّلَ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ.
ثَالِثًا: حَقِّقْ شُرُوطَ التَّوْبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الفُقَهَاءُ وَالمُفَسِّرُونَ وَالَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا:
1- الإِقْلَاعُ عَنِ المَعْصِيَةِ مُبَاشَرَةً.
2- النَّدَمُ عَلَى فِعْلِهَا فِي المَاضِي.
3- العَزْمُ عَزْمًا جَازِمًا أَلَّا يَعُودَ لِمِثْلِهَا أَبَدًا.
4- تَرْكُ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَمُصَاحَبَةُ الأَخْيَارِ، وَأُذَكِّرُكَ يَا أَخِي بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟
فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً.
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ.
فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ.
فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ.
قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا، أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ ـ أَيْ حَمَلَ نَفْسَهُ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي قَصَدَهَا ـ.
5- إِذَا كَانَتِ المَعْصِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الآخَرِينَ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا رَدُّ المَظَالِمِ إلى أَهْلِهَا، أَوْ تَحْصِيلُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ.
رَابِعًا: لَا تَذْكُرْ مَعْصِيَتَكَ لِأَحَدٍ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَاقْبلْ سِتْرَ اللهِ عَلَيْكَ.
خَامِسًا: أَكْثِرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَكْثِرْ مِنَ الصَّدَقَةِ، مَعَ حِرْصِكَ عَلَى مُصَاحَبَةِ الأَخْيَارِ، وَحُضُورِ مَجَالِسِ العِلْمِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى الصُّوَرِ وَالأَفْلَامِ الخَلِيعَةِ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُلْهِمَنَا جَمِيعًا التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ النَّصُوحَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |