السؤال :
وَالِدِي تَقَدَّمَ بِهِ العُمُرُ وَدَخَلَ سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ فَأَصْبَحَ لَا يَعِي مَا يَقُولُ، وَلَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، وَعِنْدَهُ أَمْلَاكٌ كَثِيرَةٌ، فَهَلْ يَجُوزُ اسْتِغْلَالُ هَذِهِ الأَمْلَاكِ بِسُكْنًى أَوْ تَأْجِيرٍ، وَهَلْ يَجُوزُ تَقْسِيمُ هَذِهِ الأَمْوَالِ بَيْنَ الوَرَثَةِ قِسْمَةً شَرْعِيَّةً بَيْنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ، أَمْ تُقَسَّمُ هَذِهِ الأَمْوَالُ عَلَى أَسَاسِ العَطِيَّةِ حَيْثُ يَكُونُ نَصِيبُ الأُنْثَى بِمِقْدَارِ نَصِيبِ الذَّكَرِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 460
 2007-08-18

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أَوَّلًا: يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ المَالَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِيَّةِ صَاحِبِهِ إِلَّا بِمَوْتِهِ أَوْ بِرِضًا مِنْهُ، فَمَا دَامَ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ فَإِنَّ المَالَ مِلْكٌ لَهُ، وَلَوْ فَقَدَ عَقْلَهُ، أَوْ كَانَ سَفِيهًا.

ثَانِيًا: يُرْفَعُ الأَمْرُ إِلَى القَاضِي الـشَّرْعِيِّ لِيُعَيِّنَ قَيِّمًا لِإِدَارَةِ أَمْوَالِ الأَبِ وَتَثْمِيرِهَا بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ المَأْمُونَةِ حَتَّى لَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ.

ثَالِثًا: يَجِبُ عَلَى القَيِّمِ المُعَيَّنِ مِنْ قِبَلِ القَاضِي الـشَّرْعِيِّ إِخْرَاجُ زَكَاةِ مَالِ الأَبِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ مِنَ المَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَلَا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ».

أَمَّا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في مَالِهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

رَابِعًا: القَيِّمُ الذي يَقُومُ عَلَى إِدَارَةِ الأَمْوَالِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَجْرًا عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا بَعْدَ الاشْتِرَاطِ، وَيَأْخُذُ أَجْرَ المِثْلِ بَعْدَ الاشْتِرَاطِ، وَأَمَّا مَا قَامَ بِهِ قَبْلَ الاشْتِرَاطِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ مُتَبَرِّعًا بِهِ لِصَالِحِ وَالِدِهِ.

خَامِسًا: يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الوَالِدِ نَفَقَةُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ في حَالِ صِحَّتِهِ كَزَوْجَةٍ وَبَنَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ مَوْرِدٌ يَكْفِيهِنَّ، وَأَوْلَادٍ قُصَّرٍ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

1ـ لَا يَجُوزُ سُكْنَى أَمْلَاكِهِ لِلْبَالِغِينَ مِنْ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ إِلَّا بِأَجْرِ المِثْلِ، وَكَذَلِكَ بَنَاتِهِ إِذَا كَانَ لَهُنَّ مَوْرِدٌ يَكْفِيهِنَّ. وَتَكُونُ الأُجْرَةُ لِلْوَالِدِ تُثَمَّرُ مَعَ أَمْوَالِهِ.

2ـ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَقُومَ القَيِّمُ المُعَيَّنُ مِنْ قِبَلِ القَاضِي بِتَثْمِيرِ الأَمْوَالِ بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ المَأْمُونَةِ حَتَّى لَا تَأْكُلَهَا الصَّدَقَةُ.

3ـ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الوَالِدِ النَّفَقَةُ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، مَعَ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْهُ عِنْدَ الجُمْهُورِ عَدَا الحَنَفِيَّةِ.

4ـ لَا تُقْسَمُ أَمْوَالُهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ لَا قِسْمَةَ تَرِكَةٍ، لِأَنَّ وَالِدَهُمْ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ، وَلَا قِسْمَةَ عَطِيَّةٍ لِأَنَّ وَالِدَهُمْ فَاقِدُ الأَهْلِيَّةِ.

5ـ يَأْخُذُ مُدِيرُ أَمْوَالِ الوَالِدِ أَجْرَ المِثْلِ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ بِذَلِكَ لَا قَبْلَهَا. هذا، والله تعالى أعلم.

نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا نُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَنْ يُمَتِّعَنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا وَعُقُولِنَا مَا أَحْيَانَا، وَأَنْ يَجْعَلَهُ الوَارِثَ مِنَّا.  آمين.