طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: الصَّدَاقُ للمَرْأَةِ الأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَآتُوا النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾. وَلَكِنَّ هَذَا الصَّدَاقَ يَثْبُتُ في ذِمَّةِ الزَّوْجِ كَامِلَاً بِمُجَرَّدِ صِحَّةِ العَقْدِ، وَيُصْبِحُ حَقَّاً للزَّوْجَةِ، وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ زَوْجِهَا، وَلَا تُمَكِّنَهُ مِنَ الوَطْءِ، وَلَا تَنْتَقِلَ إلى بَيْتِهِ حَتَّى يَدْفَعَ لَهَا مُعَجَّلَ مَهْرِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ المٌعَجَّلُ كُلَّ المَهْرِ، أَو بَعْضَهُ.
أَمَّا المَهْرُ المُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عَنْهُ بِسَبَبِهِ، لِأَنَّهَا بِالتَّأْجِيلِ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا في اسْتِيفَائِهِ الفَوْرِيِّ، وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ، وَصَارَ العُرْفُ بِالنِّسْبَةِ للمُؤَخَّرِ أَنَّهُ يُدْفعُ للزَّوْجَةِ عِنْدَ طَلَاقِهَا أَو مَوْتِ زَوْجِهَا.
ثانياً: مُقَدَّمُ المَرْأَةِ دَيْنٌ قَوِيٌّ بِاتِّفَاقِ الفُقَهَاءِ، أَمَّا المُؤَخَّرُ فَهُوَ دَيْنٌ قَوِيٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ هُوَ دَيْنٌ ضَعِيفٌ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
أولاً: يَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ زَكَاةُ مَهْرِهَا المُعَجَّلِ إِذَا بَلَغَ النِّصَابَ وَحَالَ عَلَيْهِ الحَوْلُ بِنَفْسِهِ أَو مَعَ أَمْوَالِهَا الأُخْرَى، سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَمْ لَا، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، لِأَنَّهُ دَيْنٌ قَوِيٌّ، وَلِأَنَّهُ مِلْكُهَا، وَهِيَ أَخَّرَتِ المُطَالَبَةَ بِهِ بِرِضَاهَا، فَلَا تَسْقُطُ عَنْهَا زَكَاتُهُ، وَهِيَ مُخَيَّرَةٌ أَنْ تَدْفَعَ زَكَاتَهُ مُبَاشَرَةً، أَو تُؤَخِّرَ زَكَاتَهُ حَتَّى قَبْضِهِ، فَإِذَا قَبَضَتْهُ زَكَّتْهُ عَنِ المُدَّةِ السَّابِقَةِ فَوْرَاً.
ثانياً: أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِزَكَاةِ مَهْرِهَا المُؤَخَّرِ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ كَالمُقَدَّمِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ قَوِيٌّ.
أَمَّا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ فَهُوَ دَيْنٌ ضَعِيفٌ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِلَّا بِقَبْضِهِ، فَإِذَا قَبِضَتْهُ ضَمَّتْهُ إلى مَالِهَا إِذَا كَانَ عِنْدَهَا، وَأَدَّتْ زَكَاتَهُ مَعَ مَالِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَالٌ سِوَاهُ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُتِمَّ نِصَابَاً وَيَحُولَ الحَوْلُ عَلَيْهِ.
ثالثاً: إِذَا أَسْقَطَتِ الزَّوْجَةُ حَقَّهَا مِنَ المَهْرِ المُعَجَّلِ أَو المُؤَجَّلِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمَا.
رابعاً: لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ مَهْرِ زَوْجَتِهِ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَتَعَبَّدَ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ عَنْهَا بِذَلِكَ بِطَلَبِهَا تَفَضُّلَاً مِنْهُ، لَا وُجُوبَاً عَلَيْهِ، فَيَصِحُّ.
فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ عَنْهَا بِالوَكَالَةِ، وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئَاً، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَالٌ، وَلَمْ تُسْقِطْ حَقَّهَا مِنَ المَهْرِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا زَكَاةُ مَهْرِهَا إِلَّا عِنْدَ قَبْضِهِ، فَتُؤَدِّي زَكَاةَ المُقَدَّمِ عَنْ جَمِيعِ السَّنَوَاتِ، وَأَمَّا المُؤَخَّرُ فَتُؤَدِّيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً بَعْدَ حَوَلَانِ الحَوْلِ عَلَيْهِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |