السؤال :
ما هو الفارق بين الاستنجاء والاستبراء؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 5
 2007-05-02

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالاسْتِنْجَاءُ: هُوَ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ المُتَبَقِّيَةِ عَلَى القُبُلِ أَو الدُّبُرِ بِالمَاءِ، أَو مَسْحُ المَخْرَجَيْنِ بِالحِجَارَةِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.

أَمَّا الاسْتِبْرَاءُ: هُوَ طَلَبُ بَرَاءَةِ المَخْرَجِ مِنْ أَثَرِ رَشْحِ البَوْلِ، حَتَّى يَطْمَئِنَّ القَلْبُ، وَالمَرْأَةُ لَا تَحْتَاجُ إلى ذَلِكَ، بَلْ تَصْبِرُ قَلِيلَاً ثُمَّ تَسْتَنْجِي.

وَاسْتِبْرَاءُ الرَّجُلِ عَلَى حَسْبِ عَادَتِهِ، إِمَّا بِنَقْلِ الأَقْدَامِ دَاخِلَ المِرْحَاضِ، أَو التَّنَحْنُحِ، أَو إِمْرَارِ إِصْبَعَيْهِ عَلَى قَصَبَتِهِ.

وَحُكْمُ الاسْتِبْرَاءِ فَرْضٌ، لِمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ».

ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً.

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟

قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» رواه الإمام البخاري.

وَعَلَّقَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: لَا يَسْتَتِرُ في أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وفي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ: لَا يَسْتَبْرِئُ.

وَيَسْتَبْرِئُ بِيَدِهِ اليُسْرَى، لِأَنَّهُ يُكْرَهُ بِاليَدِ اليُمْنَى، لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، نَهَى أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ. رواه أبو داود.

وَالأَفْضَلُ في الاسْتِنْجَاءِ الجَمْعُ بَيْنَ المَسْحِ وَالغَسْلِ بِالمَاءِ، لِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرَاً فِي الطُّهُورِ، فَمَا طُهُورُكُمْ هَذَا؟».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، وَنَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلْ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُهُ؟».

قَالُوا: لَا، غَيْرَ أَنَّ أَحَدَنَا إِذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالمَاءِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ» رواه البيهقي.

فَالاسْتِنْجَاءُ بِالمَاءِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، إِذَا لَمْ تَتَجَاوَزِ النَّجَاسَةُ المَخْرَجَ، فَإِنْ تَجَاوَزَتِ المَخْرَجَ، وَكَانَ ذَلِكَ قَدْرَ مَسَاحَةِ مُقَعَّرِ الكَفِّ، وَجَبَ إِزَالَتُهُ بِالمَاءِ ـ أَيْ انْتَقَلَ الحُكْمُ مِنَ السُّنَّةِ إلى الوُجُوبِ ـ وَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ مَسَاحَةِ مُقَعَّرِ الكَفِّ في النَّجَاسَةِ المَائِعَةِ، أَو زَادَ عَلَى 2.975 غرام مِنَ النَّجَاسَةِ المُتَجَسِّدَةِ، افْتَرَضَ غَسْلُهُ بِالمَاءِ ـ أَيْ انْتَقَلَ الحُكْمُ مِنَ الوُجُوبِ إلى الفَرْضِ ـ هذا، والله تعالى أعلم.