طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: جاءَ في الحديثِ الصحيحِ عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ) رواه الإمام البخاري.
ويقول ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى: (وَمَنْ مَلَكَ بَهِيمَةً لَزِمَهُ القِيَامُ بِهَا، وَالإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، مِنْ عَلْفِهَا، أَوْ إقَامَةِ مَنْ يَرْعَاهَا. اهـ).
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ـ مصطلح إطعام ف 21 ـ:
(يَجُوزُ حَبْسُ حَيَوَانٍ لِنَفْعٍ، كَحِرَاسَةٍ وَسَمَاعِ صَوْتٍ وَزِينَةٍ، وَعَلَى حَابِسِهِ إِطْعَامُهُ وَسَقْيُهُ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ التَّخْلِيَةُ لِلْحَيَوَانَاتِ لِتَرْعَى وَتَرِدَ المَاءَ إِنْ أَلِفَتْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَأْلَفْهُ فُعِلَ بِهَا مَا تَأْلَفُهُ).
ثانياً: الاحتفاظُ بِبعضِ الحيواناتِ للرِّعايةِ والزِّينةِ أمرٌ مُباحٌ في شرعِنا، كما جاء في الحديث الشريف عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ، ـ قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيماً ـ وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ! مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟) نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ، فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِنَا. رواه الإمام البخاري. والنُّغَرُ: طائِرٌ يُشبهُ العصفورَ، أحمرُ المنقارِ.
ثالثاً: رِعايةُ الحيواناتِ المُباحةِ فيها أجرٌ عظيمٌ إن شاءَ اللهُ تعالى، وذلك لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) رواه الإمامان البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
رابعاً: يقولُ اللهُ تبارك وتعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}. وقد جاء في الحديث الشريف عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: لمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ}. قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا) قَالَ: فَأَلْقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}. قَالَ: (قَدْ فَعَلْتُ) {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}. قَالَ: (قَدْ فَعَلْتُ) {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا}. قَالَ: (قَدْ فَعَلْتُ) رواه الإمام مسلم.
ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابنُ ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وبناء على ذلك:
فما دُمتَ لم تَتَعمَّد تركَ السَّمكِ بدون طعامٍ نسياناً منكَ حتى ماتَ، فلا إثمَ عليكَ إن شاءَ اللهُ تعالى، قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}. وإن تصدَّقتَ بشيءٍ من المالِ بِمقدارِ قِيمةِ السَّمكِ فيكون الأولى في حقِّكَ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |