طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَعِنْدَمَا نَزَلَ قَوْلُ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحَاً جَمِيلَاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾. خَيَّرَ نِسَاءَهُ جَمِيعَاً، وكُلُّهُنَّ اخْتَرْنَ اللهَ ورَسُولَهُ والدَّارَ الآخِرَةَ.
روى الشيخان عَن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرَاً، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ».
قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ.
قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحَاً جَمِيلَاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾».
قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ.
وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْخِيَارِ دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَذْكُرَ لَكِ أَمْرَاً، فَلَا تَقْضِينَ فِيهِ شَيْئَاً دُونَ أَبَوَيْكِ».
فَقَالَتْ: وَمَا هُوَ؟
قَالَتْ: فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَقَرَأَ عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحَاً جَمِيلَاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾.
قَالَتْ: فَقُلْتُ: قَد اخْتَرْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ.
قَالَتْ: فَفَرِحَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
وبناء على ذلك:
فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ بَدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِالسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها وخَيَّرَهَا، فَاخْتَارَتِ اللهَ ورَسُولَهُ والدَّارَ الآخِرَةَ، ثمَّ فَعَلَتْ سَائِرُ أَزْوَاجِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَتْ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ، وقُلْنَ: مَا لَنَا وللدُّنْيَا، إِنَّمَا خُلِقَتِ الدُّنْيَا دَارَ فَنَاءٍ، والآخِرَةُ هِيَ البَاقِيَةُ، والبَاقِيَةُ أَحَبُّ إِلَيْنَا من الفَانِيَةِ؛ فَلَمَّا اخْتَرْنَ اللهَ ورَسُولَهُ والدَّارَ الآخِرَةَ كَافَأَهُنَّ اللهُ تعالى، فَأَنْزَلَ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ﴾.
ولَمْ يَثْبُتْ أَنَّ وَاحِدَةً اخْتَارَتِ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |