طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: روى أبو داود عَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ، عَنْ أَبِيهَا، أَوْ عَمِّهَا، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ، وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَا تَعْرِفُنِي؟
قَالَ: «وَمَنْ أَنْتَ؟»
قَالَ: أَنَا الْبَاهِلِيُّ، الَّذِي جِئْتُكَ عَامَ الْأَوَّلِ.
قَالَ: «فَمَا غَيَّرَكَ، وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟».
قَالَ: مَا أَكَلْتُ طَعَامَاً إِلَّا بِلَيْلٍ مُنْذُ فَارَقْتُكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟».
ثُمَّ قَالَ: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمَاً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ».
قَالَ: زِدْنِي، فَإِنَّ بِي قُوَّةً.
قَالَ: «صُمْ يَوْمَيْنِ».
قَالَ: زِدْنِي.
قَالَ: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ».
قَالَ: زِدْنِي.
قَالَ: «صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ» وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ فَضَمَّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا.
وروى الشيرازي والبيهقي في فضائل الأوقات عَنْ أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرَاً يُقَالُ لَهُ: رَجَبٌ، أَشَدُّ بَيَاضَاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمَاً سَقَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ». وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أبيه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَجَبٌ شَهْرٌ عَظِيمٌ، يُضَاعِفُ اللهُ فِيهِ الْحَسَنَاتِ، فَمَنْ صَامَ يَوْمَاً مِنْ رَجَبٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ سَنَةً، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ غُلِّقَتْ عَنْهُ سَبْعَةُ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ شَيْئَاً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَاً نَادَى مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ قَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَـضَى فَاسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ، وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ». وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَهُ السِّيُوطِيُّ.
ثانياً: روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَاً أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ.
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامَاً فِي شَعْبَانَ.
وروى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامَاً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلَاً، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ.
يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَقَوْلُهَا: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلَاً، الثَّانِي تَفْسِيرٌ للأَوَّلِ وَبَيَانُ أَنَّ قَوْلَهَا كُلَّهُ أَيْ غَالِبَهُ؛ وَقِيلَ: كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ في وَقْتٍ وَيَصُومُ بَعْضَهُ في سَنَةٍ أُخْرَى؛ وَقِيلَ: كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ وَتَارَةً بَيْنَهُمَا، وَمَا يُخَلِّي مِنْهُ شَيْئَاً بِلَا صِيَامٍ، لَكِنْ في سِنِينَ، وَقِيلَ في تَخْصِيصِ شَعْبَانَ بِكَثْرَةِ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ العِبَادِ. اهـ.
وروى النسائي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرَاً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ.
قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وروى الترمذي عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ.
وفي رواية النسائي وأبي داود عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرَاً تَامَّاً إِلَّا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ.
وبناء على ذلك:
فَلَا مَانِعَ مِنْ صِيَامِ شَهْرِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ كَامِلَاً أَو نَاقِصَاً، فَشَهْرُ رَجَبَ مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ التي يُسْتَحَبُّ فِيهَا كَثْرَةُ الصِّيَامِ، وَكَذَلِكَ شَهْرُ شَعْبَانَ.
وَلَمْ يَرِدْ في الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ صِيَامِهِمَا، فَمَنْ صَامَ شَهْرَ رَجَبٍ كَامِلَاً عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذَا الصِّيَامَ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ التي رَغَّبَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ هُوَ مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ التي يُنْدَبُ فِيهَا الصِّيَامُ؛ وَأَمَّا شَهْرُ شَعْبَانَ فَتَقَدَّمَ الحَدِيثُ عَنْهُ.
وَمَنْ قَالَ: يَحْرُمُ الصِّيَامُ، أَو أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَلْيَأْتِ بِدَلِيلٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَو عَدَمِ جَوَازِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |