طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَ ابْنَتَهُ مِنَ الزَّوَاجِ إِذَا تَقَدَّمَ إِلَيْهَا الكُفْءُ، وَكَانَتْ هِيَ رَاغِبَةً في الزَّوَاجِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾. فَالعُضْلُ ظُلْمٌ وَإِضْرَارٌ بِالبِنْتِ في مَنْعِهَا حَقَّهَا في الزَّوَاجِ.
وروى الإمام البخاري عَنِ الحَسَنِ ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾. قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتَاً لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا.
فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لَا وَاللهِ لاَ تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدَاً، وَكَانَ رَجُلَاً لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ.
فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ﴾.
فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ.
وَالرَّجُلُ إِذَا مَنَعَ ابْنَتَهُ مِنَ الزَّوَاجِ مِنْ رَجُلٍ كُفْءٍ، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾. يَعْنِي: مَن لَا زَوْجَ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرَاً أَمْ ثَيِّبَاً.
ثانياً: إِذَا امْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنْ تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ ظُلْمَاً وَعُدْوَانَاً، وَبِدُونِ أَيِّ مُبَرِّرٍ شَرْعِيٍّ، وَهِيَ تَرْغَبُ في الزَّوَاجِ، فَلَهَا أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا إلى القَاضِي الشَّرْعِيِّ لِيُزَوِّجَهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
ثالثاً: وَلَمْ يَرِدْ وَرَدَ في الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ بِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَنَعَ ابْنَتَهُ مِنَ الزَّوَاجِ فَإِنَّهُ يَـشْرَبُ مِنْ دَمِ حَيْضِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ.
وبناء على ذلك:
فَلَمْ يَثْبُتْ في الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ أَنَّ الأَبَ الذي يَمْنَعُ ابْنَتَهُ مِنَ الزَّوَاجِ بِدُونِ سَبَبٍ يُسْقَى مِنْ دَمِ حَيْضِهَا، وَلَكِنَّ الأَبَ يَكُونُ في هَذِهِ الحَالَةِ آثِمٌ وَعَاصٍ، وَمُخَالِفٌ لِأَمْرِ اللهِ تعالى، وَلِأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ حَقِّ البِنْتِ أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا إلى القَاضِي الشَّرْعِيِّ لِيُزَوِّجَهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |