طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تعالى في مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾. فَالمُحَكَّمُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ هُوَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ بَعْدِهِ العُلَمَاءُ العَامِلُونَ وُرَّاثُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَلَا يَفُضُّ النِّزَاعَ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يَرْفَعُ الظُّلْمَ، إِلَّا شَرْعُ اللهِ تعالى المُنَزَّهُ عَنِ المَصَالِحِ للـمُشَرِّعِ، بَلْ خَيْرُ هَذَا التَّشْرِيعِ عَائِدٌ للخَلْقِ وَلَيْسَ للخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ.
الظُّلْمُ حَرَامٌ شَرْعَاً، وَرَفْعُ الظُّلْمِ وَاجِبٌ شَرْعَاً «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَـفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً، فَلَا تَظَالَمُوا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَقَدْ رَغَّبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّ المَظَالِمِ لِأًَصْحَابِهَا، قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ العَبْدُ عَلَيْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، روى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، سَعِّرْ لَنَا.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ، القَابِضُ، البَاسِطُ، الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ».
وَنَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلى كِتَابِ اللهِ تعالى، وَإلى سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في كُلِّ شَيْءٍ، لَا إلى القَوَانِينِ الوَضْعِيَّةِ وَالأَعْرَافِ وَالعَادَاتِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالَاً بَعِيدَاً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودَاً﴾.
وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمَاً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
وبناء على ذلك:
فَالوَاجِبُ عَلَيْكَ وَعَلَى إِخْوَتِكَ أَنْ تُحَكِّمُوا شَرْعَ اللهِ تعالى في خُصُومَتِكُمْ، لِأَنَّهُ هُوَ المُحَكَّمُ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ﴾. فَالتَّحَاكُمُ إلى غَيْرِ كِتَابِ اللهِ تعالى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَعْظَمِ المُنْكَرَاتِ، وَأَقْبَحِ السَّيِّئَاتِ، وَهُنَاكَ خَطَرٌ عَلَى إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُحَكِّمْ شَرْعَ اللهِ تعالى في خُصُومَاتِهِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |