طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِنِّي أَنْصَحُكَ بِالصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ وَاحْتِسَابِ الأَمْرِ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾. وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾. وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾. وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلَاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾.
وَأَقُولُ لِمَنِ اغْتَابَ، وَنَمَّ، وَكَانَ سَبَبَاً في التَّفْرِيقِ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، اسْمَعْ مَا قَالَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
1ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا المُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ».
2ـ روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا.
فَقَالَ: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ».
3ـ روى الإمام مسلم عَنْ حُذيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلَاً يَنِمُّ الْحَدِيثَ؛ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ».
4ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : «لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ.
فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟
قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ».
5ـ روى الترمذي عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللهُ وَيَبْتَلِيكَ».
6ـ روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خِيَارُ عِبَادِ اللهِ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ، وَشِرَارُ عِبَادِ اللهِ المَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، البَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ» (الْبُرَآءُ جَمْعُ بَرِيءٍ؛ وَالعَنَت: المَشَقَّةُ وَالْفَسَادُ وَالْهَلَاكُ وَالْإِثْمُ وَالْخَطَأُ وَالْغَلَطُ وَالزِّنَا، كُلُّ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ).
وبناء على ذلك:
أولاً: أَنْصَحُكَ بِالصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ وَاحْتِسَابِ الأَمْرِ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَأَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَكَ.
ثانياً: الحَسْرَةُ وَالنَّدَامَةُ عَلَى قَرِيبِكَ المُسِيءِ إِذَا لَمْ يَتُبْ إلى اللهِ تعالى، فَهُوَ عَلَى وَعِيدٍ في الابْتِلَاءِ بِمَا عَافَاكَ اللهُ تعالى مِنْهُ.
وَعَلَى وَعِيدٍ بِأَنْ يَفْضَحَهُ اللهُ تعالى.
وَعَلَى وَعِيدٍ في حُفْرَةٍ مِنْ حُفَرِ النَّارِ إِذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ.
وَعَلَى وَعِيدٍ بِعَدَمِ دُخُولِ الجَنَّةِ ابْتِدَاءً وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.
وَأُذَكِّرُ قَرِيبَكَ وَنَفْسِي وَالحَاضِرِينَ وَالسَّامِعِينَ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتَاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.
وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾.
وَلْيَتَذَكَّرْ كَلِمَاتِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عِنْدَمَا قَالَ:
لِسَانَكَ لَا تَذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ *** فَـكُلُّكَ عَوْرَاتٌ وَللنَّاسِ أَلْسُنُ
وَعَيْنَكَ إِنْ أَبْـدَتْ إِلَيْكَ مَعَايِبَاً *** فَصُنْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ للنَّاسِ أَعْيُنُ
وَأَقُولُ لَهُ: لِيَأْتِ مُعْتَذِرَاً مُتَحَلِّلَاً مِمَّا قَالَ، مَعَ كَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَعَلَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَحْضِرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلَاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصَوْنِ أَلْسِنَتِنَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |