طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ هُنَاكَ آيَاتٍ كَرِيمَةً تَرُدُّ عَلَى هَذَا التَّفْرِيقِ، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرَاً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾. فَهَلْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَوَافُقٌ؟
وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَـضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرَاً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرَاً وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولَاً﴾. مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَوَافُقٌ.
وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾. وَهَذَا عَامٌّ في كُلِّ الحَالَاتِ.
وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾. فَأَيْنَ التَّوَافُقُ بَيْنَ الرَّجُلِ المُسْلِمِ وَالمُشْرِكَةِ؟
وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. فَأَيْنَ التَّوَافُقُ وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿عَدُوَّاً لَكُمْ﴾ مَعَ ذِكْرِ: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾.
وَجَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ.
وروى أيضاً عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ.
وَوَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَرْجُمَانِ القُرْآنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: مَا زَنَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ؛ وَلَمْ يَقُلْ: زَوْجَةُ نَبِيٍّ مِنْ شُمُولِ العِبَارَةِ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَالعَرَبُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالمَرْأَةِ وَالصَّاحِبَةِ، وَالقُرْآنُ الكَرِيمُ نَزَلَ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَبِلَهَجَاتِ العَرَبِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ القُرْآنِ الكَرِيمِ لِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ في المَعْنَى، وَفِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، هُوَ جُزْءٌ مِنَ الإِعْجَازِ القُرْآنِيِّ الذي لَا يُحْصَى، سَوَاءٌ كَانَ الإِعْجَازُ لُغَوِيَّاً، أَو عِلْمِيَّاً، أَو في الأَحْكَامِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |