طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، وَشَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِهِ المَعْلُومَةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَصِيَامُهُ فَرْضٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ الفِطْرِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ مِنْ مَرَضٍ أَو سَفَرٍ.
وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ عَلَى صِيَامِهِ تَحْقِيقَاً لِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَاجِيَاً ثَوَابَهُ الذي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تعالى، وَخَائِفَاً مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى.
وَإِذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةُ الدِّينِ مَعَ مَصْلَحَةِ الدُّنْيَا وَجَبَ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يُرَجِّحَ جَانِبَ الدِّينِ عَلَى جَانِبِ الدُّنْيَا، خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ تَحْتَ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.
وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثانياً: مِنْ سِمَاتِ هَذَا التَّشْرِيعِ العَظِيمِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسَاً إِلَّا وُسْعَهَا، وَأَنَّ الـضَّرُورَاتِ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ، وَأَنَّ المَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ.
ثالثاً: إِذَا كَانَ عَمَلُ الإِنْسَانِ شَاقَّاً، وَلَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ مَعَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَالَ عَلَى الالْتِزَامِ، وَأَنْ يَكُونَ حَرِيصَاً عَلَى التَّنْسِيقِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالعَمَلِ، فَإِنْ عَجِزَ عَنِ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا؛ يُنْظَرُ:
إِنْ كَانَ عِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ في شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ العَمَلُ إِذَا كَانَ عَمَلُهُ هَذَا يُؤَدِّي إلى فِطْرِهِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ فَقِيرَاً وَبِحَاجَةٍ إلى العَمَلِ مِنْ أَجْلِ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ عَمَلٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا العَمَلَ الشَّاقَّ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ نَهَارَهُ بِالصِّيَامِ، حَتَّى إِذَا شَعَرَ بِالحَرَجِ الشَّدِيدِ، عِنْدَهَا يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِمِقْدَارِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَشَقَّةِ، ثُمَّ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ تَعْظِيمَاً لِحُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَعَلَيْهِ القَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ في الأَيَّامِ التي يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فِيهَا.
وبناء على ذلك:
فَصَاحِبُ العَمَلِ الشَّاقِّ، إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ، وَلَمْ يَجِدْ عَمَلَاً آخَرَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَعْمَلَ في اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، جَازَ لَهُ الفِطْرُ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ بِالصِّيَامِ، حَتَّى إِذَا شَعَرَ بِالجُهْدِ الذي لَا يُمْكِنُهُ مُتَابَعَةُ العَمَلِ فَعِنْدَهَا يَأْخُذُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ هَذَا الشُّعُورَ، ثُمَّ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ تَعْظِيمَاً لِيَوْمِ رَمَضَانَ.
وَبَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ يَقْضِي مَا أَفْطَرَهُ دُونَ كَفَّارَةٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |