السؤال :
جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطَىً، ثُمَّ قَالَ: «أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟». قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَقُّ الْغَرِيمِ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا المَيِّتُ؟». قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: «مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟». فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ. قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ». فهل يفهم من هذا الحديث الشريف أن ذمة الميت لا تبرأ حتى يُؤدَّى عنه الدَّين؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9075
 2018-08-13

 

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمِنْ خِلَالِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ». يُفْهَمُ بِأَنَّ ذِمَّةَ المَيْتِ لَا تَخْلُصُ مِنْ وَرْطَةِ الدَّيْنِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ عَلَى الحَقِيقَةِ، وَلَا يُرْفَعُ عَنْهُ العَذَابُ إِلَّا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، لَا بِمُجَرَّدِ التَّحَمُّلِ عَنْهُ بِلَفْظِ الضَّمَانَةِ.

وَلِذَلِكَ رَأَيْنَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُسَارِعُ وَيَسْأَلُ أَبَا قَتَادَةَ في اليَوْمِ الثَّانِي عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنِ المَيْتِ، فَكَانَ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟». رَغْمَ أَنَّهُ تَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، وَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَوْفَى اللهُ حَقَّ الْغَرِيمِ وَبَرِئَ مِنْهَا المَيِّتُ».

فَلَو كَانَ الأَمْرُ مُجَرَّدَ التَّحَمُّلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى المَيْتِ، مَا أَتْعَبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ، وَلَا أَشْغَلَ بَالَهُ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلَكِنْ لِعِلْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ المَيْتَ يَتَعَلَّقُ أَمْرُهُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ،فَلِذَلِكَ سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَافَعَلَ الدِّيْنَارَانْ.

وبناء على ذلك:

فَذِمَّةُ المَيْتِ لَا تَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، بَلْ تَبْرَأُ بِأَدَاءِ الضَّامِنِ عَنْهُ.

فَالقَبْرُ يُحْمَى عَلَى المَدِينِ، وَلَو كَانَ الدَّيْنُ دِينَارَيْنِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَرْتَعُ في أَمْوَالِ النَّاسِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، يَأْخُذُهَا وَلَا يُبَالِي بِرَدِّهَا؟ لِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لَمْ يَقُلْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَتْلَفَ مَالَهُ، إِنَّمَا قَالَ: «أَتْلَفَهُ اللهُ». هذا، والله تعالى أعلم.