السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9279
 2018-11-13

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَالحَقُّ سُبْحَانَهُ وتعالى يَسْأَلُ إِبْلِيسَ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وَاحْتِقَارٍ، بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾. يَعْني: أَيُّ شَيْءٍ مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ؟ أَو مَا مَنَعَكَ مِنْ أَنْ تُحَقِّقَ السُّجُودَ، وَتُلْزِمَهُ نَفْسَكَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ مَنْ قَالَ لَكَ: لَا تَسْجُدْ؟ مَا مَنَعَكَ وَحَمَلَكَ عَلَى عَدَمِ السُّجُودِ؟

فَقَوْلُهُ تعالى لِإِبْلِيسَ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾؟ كَأَنَّهُ هَمَّ أَنْ يَسْجُدَ فَجَاءَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ عَنِ السُّجُودِ؛ وَيَسْأَلُهُ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ مَا مَنَعَكَ بِإِقْنَاعِكَ بِأَنْ لَا تَسْجُدَ؟

فَجَاءَ الجَوَابُ مِنْ إبْلِيسَ: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾.

لَقَدْ كَانَ جَوَابُ إبْلِيسَ جَوَابَ العَبْدِ الغَافِلِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى هُوَ خَالِقُ النَّارِ وَالطِّينِ، فَهُمَا خَلْقُ اللهِ تعالى، وَهُوَ الذي اخْتَارَ لِإِبْلِيسَ النَّارَ، وَاخْتَارَ لِآدَمَ التُّرَابَ، فَأَيْنَ التَّفَاضُلُ مَا دَامَا مَخْلُوقَيْنِ للهِ تعالى؟

وَالخَالِقُ أَمَرَ أَنْ يَسْجُدَ إِبْلِيسُ النَّارِيُّ لِآدَمَ الذي خَلَقَهُ اللهُ تعالى مِنْ طِينٍ، وَلَا بُدَّ للمَخْلُوقِ مِنْ طَاعَةِ الخَالِقِ، لِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: أَشَدُّ العَالَمِينَ غَفْلَةُ إِبْلِيسَ.

أَمَّا دَعْوَى إِبْلِيسُ أَنَّ النَّارَ خَيْرٌ مِنَ الطِّينِ فَدَعْوَى بَاطِلَةٌ، وَالوَاقِعُ يُنَاقِضُهَا، لِأَنَّ الطِّينَ خَلَقَ اللهُ مِنْهُ الخِصْبَ، وَكَانَ مِنَ الخِصْبِ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالأَشْجَارُ وَالنَّخِيلُ، وَكُلُّ طَعَامِ أَهْلِ الأَرْضِ، وَالمَاءُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ غَيْثَاً فَيَكُونُ مِنْهُ طَعَامُ الإِنْسِ وَالحَيَوَانِ.

أَمَّا النَّارُ فَهِيَ مُدَمِّرَةٌ وَمُحْرِقَةٌ، فَالطِّينُ مِنْهُ العَمَارُ، وَمِنَ النَّارِ يَكُونُ الدَّمَارُ.

جَوْهَرُ الطِّينِ مِنْهُ الرَّزَانَةُ وَالسُّكُونُ وَالوَقَارُ وَالأَنَاةُ وَالحِلْمُ وَالحَيَاءُ وَالصَّبْرُ، وَأَمَّا جَوْهَرُ النَّارِ خِفَّةٌ وَطَيْشٌ وَحِدَّةٌ وَارْتِفَاعٌ وَاضْطِرَابٌ.

وَمِنْ خِلَالِ هَذَا فَازَ سَيِّدُنَا آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالسَّعَادَةِ التي سَبَقَتْ لَهُ، فَتَابَ وَتَوَاضَعَ وَتَضَرَّعَ، فَأَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِالمَغْفِرَةِ وَالاجْتِيَازِ وَالهِدَايَةِ، وَأَمَّا إِبْلِيسُ فَشَقِيَ بِالاسْتِكْبَارِ وَالإِصْرَارِ وَالعِنَادِ، فَأَوْرَثَهُ ذَلِكَ الهَلَاكَ وَالعَذَابَ وَاللَّعْنَةَ وَالشَّقَاءَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

وَيَكْفِي فَضْلُ التُّرَابِ عَلَى النَّارِ، أَنَّ تُرَابَ الجَنَّةِ مِسْكٌ أَذْفَرُ، وَلَا نَارَ فِيهَا. هذا، والله تعالى أعلم.