طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: كَانَ مِنَ الوَاجِبِ عَلَيْكَ وَعَلَى إِخْوَتِكَ وَأُمِّكَ أَنْ تُذَكِّرُوا وَالِدَكَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى بِخُطُورَةِ مَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ آكِلَ الرِّبَا وَمُطْعِمَهُ سَوَاءٌ في اللَّعْنَةِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ؛ وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ».
لِأَنَّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ وَاجِبٌ شَرْعَاً عَلَى الأُمَّةِ، وَإِقْدَامُ وَالِدِكَ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ خُطُورَةٌ وَجُرْأَةٌ عَلَى حُدُودِ اللهِ تعالى، وَانْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ، كَيْفَ اجْتَرَأَ عَلَى ذَلِكَ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا ﴾؟ وَيَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾؟
ثانياً: وَالِدُكَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى مَلَكَ هَذَا البَيْتَ مِلْكَاً حَرَامَاً، وَهُوَ لَيْسَ بِآكِلٍ للرِّبَا، بَلْ هُوَ مُطْعِمٌ للرِّبَا، وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ، وَمَا مَلَكَهُ الإِنْسَانُ مِلْكَاً حَرَامَاً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّخَلُّصُ مِنْ هَذَا الحَرَامِ، وَذَلِكَ بِصَرْفِهِ للفُقَرَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الفُقَهَاءِ.
وَلَكِنَّ بَعْضَ الفُقَهَاءِ قَالَ: مَنِ اقْتَرَضَ مَالَاً رِبَوِيَّاً، وَاشْتَرَى بِهِ بَيْتَاً، فَعَلَ فِعْلَاً حَرَامَاً، وَكَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، وَعَلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا حَصَلَ مِنْهُ، وَلَا حَرَجَ مِنَ الانْتِفَاعِ بِالبَيْتِ وَتَوَارُثِهِ، مَعَ رَجَاءِ اللهِ تعالى أَنْ يَغْفِرَ وَيَتَجَاوَزَ وَيَرْحَمَ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالبَيْتُ مَلَكَهُ وَالِدُكَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى مِلْكَاً حَرَامَاً، وَالمَالُ الحَرَامُ يُصْرَفُ في مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ الحَرَامِ، وَوَالِدُكَ كَانَ مُطْعِمَاً للرِّبَا، لَا آكِلَاً.
وَأَمَّا اقْتِسَامُهُ بَيْنَ الوَرَثَةِ فَمَسْأَلَةٌ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، وَأَنَا أَمِيلُ إلى تَحْرِيمِ تَقْسِيمِهِ عَلَى الوَرَثَةِ، بَلْ يَجِبُ التَّخَلُّصُ مِنَ المَالِ الحَرَامِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |