السؤال :
في قوله تعالى عن أهل النار: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾. ونحن نعلم بأننا نموت موتة واحدة فقط، فمتى تكون الموتة الثانية؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9642
 2019-05-06

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ جَاءَ في المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ للإِمَامِ الحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾. قَالَ: هِيَ مِثْلُ الَّتِي فِي البَقَرَةِ: ﴿كُنْتُمْ أَمْوَاتَاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَخَيْرُ مَا يُفَسِّرُ القُرْآنَ القُرْآنُ، فَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾. قَوْلُهُ تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتَاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.

فَالمَوْتَةُ الأُولَى هِيَ قَبْلَ الإِيجَادِ، وَالمَوْتَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الإِيجَادِ، وَالحَيَاةُ الأُولَى هِيَ الحَيَاةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الفَانِيَةُ، وَالحَيَاةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الحَيَاةُ البَاقِيَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ.

وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كُنْتُمْ أَمْوَاتَاً مَعْدُومِينَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقُوا، ثُمَّ خُلِقْتُمْ وَأُخْرِجْتُمْ إِلَى الدُّنْيَا، فَأَحْيَاكُمْ، ثُمَّ أَمَاتَكُمْ المَوْتَ المَعْهُودَ، ثُمَّ يُحِيِيكُمْ للبَعْثِ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فَهُنَاكَ إِمَاتَتَانِ، وَإِحْيَاءَانِ، الإِمَاتَةُ الأُولَى قَبْلَ الوُجُودِ في الدُّنْيَا، وَالإِمَاتَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الحَيَاةِ، وَالحَيَاةُ الأُولَى بَعْدَ الوِلَادَةِ، وَالحَيَاةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ البَعْثِ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾.

فَالمَوْتَتَانِ هُمَا كَوْنُ الإِنْسَانِ في عَالَمِ العَدَمِ فَهَذِهِ المَوْتَةُ الأُولَى، وَالأُخْرَى مَوْتَةُ الانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا إلى الدَّارِ الآخِرَةِ.

وَأَمَّا الحَيَاتَانِ فَهُمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا الفَانِيَةُ، وَالحَيَاةُ الآخِرَةُ البَاقِيَةُ.

وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الأُولَى الفَانِيَةَ حَيَاةً طَيِّبَةً، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.

وَأَنْ يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الثَّانِيَةَ البَاقِيَةَ حَيَاةَ السُّعَدَاءِ، الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.

وَأَنْ لَا يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الأُولَى الفَانِيَةَ حَيَاةَ الأَشْقِيَاءِ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

وَأَنْ لَا يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الثَّانِيَةَ البَاقِيَةَ حَيَاةَ الأَشْقِيَاءِ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾. اللَّهُمَّ آمين. هذا، والله تعالى أعلم.