السؤال :
مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَفِيفٌ طَاهِرٌ، وَالسُّؤَالُ: كَيْفَ هَمَّ بِامْرَأَةِ العَزِيزِ مَعَ عِفَّتِهِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9749
 2019-06-16

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾. هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ أَثْبَتَتْ بِوُضُوحٍ تَامٍّ أَنَّ امْرَأَةَ العَزِيزِ كَانَ هَمُّهَا للمَعْصِيَةِ وَاضِحَاً، وَأَمَّا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَهُمَّ أَبَدَاً، لِأَنَّهُ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ، وَلَوْلَا البُرْهَانُ لَهَمَّ بِهَا.

فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ فِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَ ّبِهَا.

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كُنْتُ أَقْرَأُ غَرِيبَ القُرْآنِ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها﴾ الآيَةَ ... قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَذَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ تَقْدِيمِ الجَوَابِ وَتَأْخِيرِ الشَّرْطِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَلَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالهَمُّ بِالمَعْصِيَةِ قَائِمٌ مِنْ قِبَلِ امْرَأَةِ العَزِيزِ، وَلَكِنَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الهَمُّ أَصْلَاً، بَلْ هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ لِوُجُودِ البُرْهَانِ، لِأَنَّ (لَوْلَا) حَرْفُ امْتِنَاعُ لِوُجُودٍ، كَمَا يَقُولُ أَحَدُنَا: لَوْلَا فُلَانٌ لَأَكْرَمْتُكَ؛ فَانْتَفَى الإِكْرَامُ لِوُجُودِ فُلَانٍ، وَكَذَلِكَ انْتَفَى هُنَا الهَمُّ لِوُجُودِ البُرْهَانِ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الهَمِّ بِالشَّيْءِ دُونَ فِعْلِهِ لَا يُعْتَبَرُ إِثْمَاً وَلَا خَطِيئَةً، لِأَنَّ الهَمَ ّخَاطِرٌ قَلْبِيٌّ لَا يَضُرُّ صَاحِبَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. هذا، والله تعالى أعلم.