السؤال :
لَقَدْ أَكْرَمَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالزَّوَاجِ مِنْ فَتَاةٍ صَاحِبَةِ دِينٍ وَخُلُقٍ، وَبَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ زَوَاجِي تَغَيَّرَتْ أُمِّي عَلَيَّ، وَبَدَأَتْ تُعْرِضُ عَنِّي، وَتَدْعُو عَلَيَّ، وَلَا تُرِيدُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَيْهَا، مَعَ العِلْمِ أَنِّي مَا فَضَّلْتُ زَوْجَتِي عَلَى أُمِّي، فَمَاذَا أَفْعَلُ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9758
 2019-06-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَإِنِّي أُذَكِّرُكَ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلَاً﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾. هذا أولاً.

ثانياً: هُنَاكَ بَعْضُ الأُمَّهَاتِ تَتَوَلَّدُ عِنْدَهُنَّ الغَيْرَةُ بَعْدَ زَوَاجِ أَوْلَادِهِنَّ، وَتَظُنُّ أمُّ الزَّوْجِ أَنْهَا فَقَدَتْ وَلَدَهَا بِزَوَاجِهِ ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ، وَرُبَّمَا تكون هذه الأمُّ قد اسْتَوْلَتْ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى أَنْسَتْهُ أُمَّهُ.

عَلَى هَذِهِ الأُمِّ أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ في وَلَدِهَا وَزَوْجَتِهِ، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَهَا حَقٌّ عِنْدَ زَوْجِهَا، كَمَا أَنَّ لِأُمِّهِ عَلَيْهِ حَقاً، وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

ثالثاً: اجْتَهِدْ بِكُلِّ مَا أُوتِيتَ مِنْ قُوَّةٍ أَنْ تُحْسِنَ إلى أُمِّكَ وَأَنْ تُكْرِمَهَا، وَأَنْ تَهْتَمَّ بِهَا، وَأَشْعِرْهَا بِأَنَّكَ حَفِيٌّ بِهَا، حَرِيصٌ عَلَى رِضَاهَا وَطَاعَتِهَا في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ تعالى.

رابعاً: لَا تُثْنِ عَلَى زَوْجَتِكَ أَمَامَ أُمِّكَ، وَلَا تُظْهِرْ شِدَّةَ اهْتِمَامِكَ وَحُبِّكَ لَهَا أَمَامَ أُمِّكَ، وَأَعْطِ زَوْجَتَكَ حَقَّهَا مِنَ الإِحْسَانِ وَالإِكْرَامِ بَعِيدَاً عَنْ نَظَرِ أُمِّكَ، حَتَّى تَتَحَسَّنَ عَلَاقَتُكَ مَعَهَا.

خامساً: حَرِّضْ زَوْجَتَكَ عَلَى التَّقَرُّبِ مِنْ أُمِّكَ وَالإِحْسَانِ إِلَيْهَا، بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالهَدِيَّةِ الجَمِيلَةِ عَلَى قَدْرِ اسْتِطَاعَتِكَ وَاسْتِطَاعَتِهَا، وَأَعْلِمْ زَوْجَتَكَ أَنَّ رِضَا الأُمِّ سِرُّ سَعَادَةِ الابْنِ، وَهَذِهِ السَّعَادَةُ تَنْعَكِسُ عَلَى الابْنِ وَزَوْجَتِهِ.

وَحَتَّى تَتَجَاوَبَ زَوْجَتُكَ مَعَ أُمِّكَ أَكْرِمْ أَهْلَهَا بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالهَدِيَّةِ الجَمِيلَةِ عَلَى قَدْرِ الاسْتِطَاعَةِ.

سادساً: اصْبِرْ عَلَى تَغَيُّرِ أُمِّكَ، وَأَبْشِرْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. وَلَا تَنْسَ أَنَّكَ مَأْمُورٌ بِبِرِّهَا وَإِنْ أَسَاءَتْ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفَاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

فَكُلَّمَا أَسَاءَتْ إِلَيْكَ قَابِلِ الإِسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ تعالى مَعَكَ.

وَأَخِيرَاً: أَكْثِرْ لَهَا مِنَ الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الغَيْبِ في أَنْ يُصْلِحَ اللهُ تعالى الحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَكُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّكَ مَهْمَا قَدَّمْتَ إِلَيْهَا مِنَ الإِحْسَانِ لَنْ تَجْزِيَهَا عَلَى مَعْرُوفِهَا وَسَابِقِ إِحْسَانِهَا.

وَكُنْ قُدْوَةً صَالِحَةً في حُسْنِ أَخْلَاقِكَ مَعَهَا، وَكُنْ مَضْرِبَ مَثَلٍ لِكُلِّ الأَبْنَاءِ، وَاحْذَرْ أَنْ يَسْتَدْرِجَكَ الشَّيْطَانُ وَيُوقِعَكَ في مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلَاً كَرِيمَاً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرَاً﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَكُونَ عَوْنَاً لَكَ عَلَى بِرِّهَا، وَالإِحْسَانِ لِزَوْجَتِكَ، وَأَنْ يُهَيِّئَ لَكَ مَنْ يُصْلِحُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا. هذا، والله تعالى أعلم.