طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾. خِطَابٌ مِنَ اللهِ تعالى للسَّيِّدَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عِنْدَمَا قَالَتْ لِسَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيَّاً﴾؟ فَجَاءَ الجَوَابُ: ﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرَاً مَقْضِيَّاً﴾.
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾. هُوَ كَقَوْلِهِ تعالى في مَسْأَلَةِ البَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾. فَكَلِمَةُ هَيِّنٍ وَأَهْوَنَ بِالنِّسْبَةِ للهِ تَبَارَكَ وتعالى لَا تُؤْخَذُ عَلَى حَقِيقَتِهَا، لِأَنَّ كَلِمَةَ هَيِّنٍ وَأَهْوَنَ، تَقْتَضِي صَعْبَاً وَأَصْعَبَ، وَهَذِهِ مِنْ صِفَاتِ المَخْلُوقِينَ؛ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ للهِ تعالى فَلَيْسَ هُنَاكَ أَمْرٌ هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَأَمْرٌ أَهْوَنُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. فَمَهْمَا كَانَ هَذَا الشَّيْءُ عَظِيمَاً أَو حَقِيرَاً إِنَّمَا يَكُونُ بِكَلِمَةِ كُنْ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَاللهُ تعالى لَهُ القُدْرَةُ المُطْلَقَةُ، فَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. مَهْمَا كَانَ هَذَا الشَّيْءُ عَظِيمَاً أَو حَقِيرَاً.
وَلَكِنْ عِنْدَمَا خَاطَبَ الخَلْقَ خَاطَبَهُمْ حَسَبَ مَنْطِقِهِمْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: إِذَا كُنْتُ خَلَقْتُكُمْ مِنْ عَدَمٍ فَإِعَادَتُكُمْ أَمْرٌ هَيِّنٌ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |