السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..هل تعطي المرأة زكاتها لأصولها وفروعها من أم أو بنت أو أخت.إن كانوا فقراء ولامعيل لهم ذكر.من أب أو أخ أو زوج..أي هل تصبح هي مسؤلة بالإنفاق عليهم ولا يجوز إعطاء الزكاة لهم.وجزاك الله خيرا سيدي
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9768
 0000-00-00

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: لا تعطى الزكاة لا للأصول ولا للفروع ولا لمن تجب النفقة عليه، وهذه فتوى:  هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاة مالها لزوجها؟ وهل يجوز دفع الزكاة للفروع؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ فِيهَا، بَيْنَ مُجِيزٍ وَغَيْرِ مُجِيزٍ، وَالأَوْلَى الأَخْذُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الجَوَازِ، لِأَنَّ أَوْلَادَ الرَّجُلِ ذُكُورَاً وَإِنَاثَاً جُزْءٌ مِنْهُ، وَمَنْ يَدْفَعُ الزَّكَاةَ لِأَوْلَادِهِ يَكُونُ كَمَنْ يَدْفَعُ لِنَفْسِهِ. كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ المَرْأَةُ زَكَاةَ مَالِهَا لِزَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ العَكْسُ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَاجِزَاً عَنِ الإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَأَخَذَ مِنهَا زَكَاتَهَا فِإِنَّهُ يُصْبِحُ بِسَبَبِ أَخْذِهِ زَكَاتَهَا قَادِراً عَلَى الإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَبِذَلِكَ تَكُونُ هِي الُمستَفِيدَةُ مِن زَكَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاجِزَاً، وَأَخَذَ الزَّكَاةَ صَارَ مُوسِرَاً، وَعِنْدَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ المُوسِرِينَ، فَتَنْتَفِعُ الزَّوْجَةُ في الحَالَيْنِ مِنْ زَكَاتِهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ زَكَاتِهَا لِزَوْجِهَا. أَمَّا الحَدِيثُ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ قَالَتْ: كُنْتُ فِي المَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ». وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا، قَالَ: فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللهِ: سَلْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى البَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلَالٌ، فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي، وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي؟ وَقُلْنَا: لَا تُخْبِرْ بِنَا. فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «مَنْ هُمَا؟». قَالَ: زَيْنَبُ. قَالَ: «أَيُّ الزَّيَانِبِ؟». قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: «نَعَمْ، لَهَا أَجْرَانِ، أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ». قَالَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ وَشُرَّاحُ الحَدِيثِ بِأَنَّ الحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، بِدَلِيلِ مَا رواه الإمام أحمد عَنْ رَائِطَةَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُمِّ وَلَدِهِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً صَنَاعَ الْيَدِ، قَالَ: فَكَانَتْ تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ مِنْ صَنْعَتِهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: لَقَدْ شَغَلْتَنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ عَنِ الصَّدَقَةِ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ مَعَكُمْ بِشَيْءٍ. فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللهِ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ أَنْ تَفْعَلِي، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا، وَلَيْسَ لِي وَلَا لِوَلَدِي وَلَا لِزَوْجِي نَفَقَةٌ غَيْرُهَا، وَقَدْ شَغَلُونِي عَنِ الصَّدَقَةِ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، فَهَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِيمَا أَنْفَقْتُ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ لَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ». فَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ أَفَادَ عَلَى أَنَّ صَدَقَتَهَا كَانَتْ تَطَوُّعَاً، وَلَيْسَتْ زَكَاةً. وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي رواه الإمام البخاري أَنَّ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ، فَأَنْكَحَنِي وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ». فَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّهَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ. وَبَعْضُ الفُقَهَاءِ حَمَلَ الحَدِيثَ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الزَّكَاةِ إِذَا أَخْطَأَ المُزَكِّي في مَصْرِفِ الزَّكَاةِ، كَأَنْ أَعْطَى لِوَلَدِهِ أَو لِغَنِيٍّ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الزَّكَاةِ ثَانِيَةً، وَلِذَلِكَ خَاصَمَ زَيْدٌ وَلَدَهُ عِنْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَو كَانَ يَعْلَمُ جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ لِوَلَدِهِ مَا خَاصَمَهُ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: فَالمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، فَذَهَبَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ الفُقَهَاءِ إلى جَوَازِ إِعْطَاءِ المَرْأَةِ زَكَاتَهَا لِزَوْجِهَا. وَذَهَبَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ إلى عَدَمَ جَوَازِ إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ للزَّوْجِ. وَقَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ: لَا تُعْطِي المَرْأَةُ زَوْجَهَا زَكَاةَ مَالِهَا. وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأُصُولِ المُزَكِّي وَفُرُوعِهِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ وَالمَالِكِيَّةُ إِعْطَاءَ الزَّكَاةَ للأُصُولِ وَالفُرُوعِ مِنْ سَهْمِ الغَارِمِينَ، لَا مِنْ سَهْمِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينَ. وَالاسْتِدْلَالُ بِالحَدِيثَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ يَصْلُحُ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الفُقَهَاءِ. وَالذي أَرَاهُ عَدَمَ جَوَازِ إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ للأُصُولِ وَللفُرُوعِ، وَكَذَلِكَ لِرَابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ، حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ المُكَلَّفِ بِيَقِينٍ، لِمَا روى البيهقي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِوَلَدٍ وَلَا لِوَالِدٍ حَقٌّ فِي صَدَقَةٍ مَفْرُوضَةٍ. وَلِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فُقًهَاءُ الحَنَفِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.