السؤال :
كَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾. وَبَيْنَ حَدِيثِ الإمام البخاري: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9840
 2019-07-22

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾. يَعْنِي: أنَّ اللهُ تعالى يَعْصِمُكَ مِنَ القَتْلِ قَبْلَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ مُتَحَقِّقَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ عَصَمَهُ اللهُ تعالى مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلى الرَّفِيقِ الأَعْلَى إِلَّا بَعْدَ أَنْ بَلَّغَ رِسَالَةَ اللهِ تعالى، وقَدْ قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾.

فَبَلَّغَ رِسَالَةَ اللهِ تعالى، مَعَ أَنَّ المُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الكِتَابِ حَاوَلُوا جَاهِدِينَ قَتْلَهُ، وَلَكِنْ وَللهِ الحَمْدُ عَصَمَهُ اللهُ تعالى مِنْ ذَلِكَ.

ثانياً: روى الإمام البخاري قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ».

وَالطَّعَامُ هُوَ الشَّاةُ المَسْمُومَةُ، وَالأَبْهَرُ هُوَ عِرْقٌ مُرْتَبِطٌ بِالقَلْبِ، إِذَا انْقَطَعَ مَاتَ الإِنْسَانُ.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ؟

فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ.

قَالَ: «مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ».

قَالَ: قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟.

قَالَ: «لَا».

قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (جَمْعُ لَهَاةٍ هِيَ اللَّحْمَةُ الحَمْرَاءُ المُعَلَّقَةُ في أَصْلِ الحَنَكِ).

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَاللهُ تعالى عَصَمَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ القَتْلِ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ اللهِ تعالى، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾.

وَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ مَعْنًى لَطِيفَاً هُنَا، فَقَالُوا: أَبَى اللهُ تعالى إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ لِنَبِيِّنَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالشَّهَادَةِ.

عَصَمَهُ اللهُ تعالى مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ الذينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ، كَمَا عَصَمَهُ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ الذينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ اللهِ تعالى، لِذَلِكَ قَالَ لِتِلْكَ المَرْأَةِ: «مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ». بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَرَادَتْ قَتْلَهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عِصْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وتعالى، فَبَعْدَ أَنْ تَمَّ التَبْلِيغُ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِالشَّهَادَةِ عِنْدَمَا وَجَدَ أَثَرَ السُّمِّ. هذا، والله تعالى أعلم.