السؤال :
وَالِدِي شَدِيدُ الغَضَبِ، وَلِأَتْفَهِ الأَسْبَابِ يَغْضَبُ مِنْ أُمِّي، وَيَقُومُ بِضَرْبِهَا ضَرْبَاً مُبَرِّحَاً، وَتَرْتَفِعُ الأَصْوَاتُ حَتَّى يَسْمَعَها الجِوَارُ، فَهَلْ مِنْ حَقِّي التَّدَخُّلُ، وَأَنْ أَمْنَعَ وَالِدِي مِنْ ضَرْبِ أُمِّي، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ ضَرْبُهَا ظُلْمَاً وَعُدْوَانَاً؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9871
 2019-08-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ إِنْ نَشَزَتْ زَوْجَتُهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الـضَّرْبَ غَيْرَ المُبَرِّحِ يُؤَدِّبُهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلَاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبِيرَاً﴾.

وَلَكِنْ لِيَعْلَمْ كُلُّ زَوْجٍ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الحاكم عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللهِ».

فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ؛ فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ.

فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ».

ثانياً: الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ﴾.

وَالدِّفَاعُ عَنِ الأُمِّ مَطْلُوبٌ شَرْعَاً، وَرَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا مَطْلُوبٌ شَرْعَاً، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ مِنَ الوَالِدِ للوَالِدَةِ، فَعَلَى الوَلَدِ رَفْعُ الظُّلْمِ، لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ البِرِّ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا كَانَتْ أُمُّكَ بِحَقٍّ مَظْلُومَةً، وَلَمْ تَكُنْ نَاشِزَةً، وَأَبُوكَ يَتَعَدَّى حُدُودَ اللهِ تعالى وَيَظْلِمُ، وَيَضْرِبُ أُمَّكَ ضَرْبَاً مُبَرِّحَاً لِأَتْفَهِ الأَسْبَابِ ـ وَاللهُ رَقِيبٌ عَلَيْكَ ـ فَمِنَ الوَاجِبِ عَلَيْكَ شَرْعَاً أَنْ تَرْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ أُمِّكَ، وَأَنْ تَرُدَّ وَالِدَكَ بِأَلْطَفِ الأَسَالِيبِ عَنْ وَالِدَتِكَ، وَأَنْ تُذَكِّرَ وَالِدَكَ في سَاعَةِ الهُدُوءِ وَالرَّاحَةِ بِاللهِ تعالى، وَبِتَحْرِيمِ الظُّلْمِ، وَإِيَّاكَ مِنْ عُقُوقِهِ وَالإِسَاءَةِ إِلَيْهِ مَعَ دَفِاعِكَ عَنْ أُمِّكَ. هذا، والله تعالى أعلم.