السؤال :
هَلْ يَجُوزُ شَرْعَاً العَمَلُ مَعَ رَجُلٍ مُلْحِدٍ يُنْكِرُ وُجُودَ اللهِ تعالى؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9874
 2019-08-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: تَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلَاً يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ».

قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا.

فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟».

فَقَالُوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ».

فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟

فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلَاً وَاحِدَاً، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» رواه الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ﴾.

ثانياً: العَمَلُ المُبَاحُ، وَالمَأْذُونُ بِهِ شَرْعَاً لَا حَرَجَ فِيهِ مَعَ أَيِّ إِنْسَانٍ كَانَ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ العَامِلُ مُؤَثِّرَاً لَا مُتَأَثِّرَاً مِنْ سَلْبِيَّاتِ الآخَرِينَ.

ثالثاً: إِقَامَةُ شَعَائِرِ الدِّينِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِذَا تَعَارَضَ العَمَلُ مَعَ الفَرَائِضِ الشَّرْعِيَّةِ، فَالفَرَائِضُ هِيَ المُرَجَّحَةُ عِنْدَ المُؤْمِنِ، وَذَلِكَ خَشْيَةَ الوُقُوعِ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَإِذَا كَانَ العَامِلُ المُسْلِمُ رَجُلَاً مُسْلِمَاً قَوِيَّاً صُلْبَاً في دِينِهِ مُؤَثِّرَاً فِي غَيْرِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّرٍ، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الرَّجُلِ المُلْحِدِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يَهْدِيَ هَذَا الرَّجُلَ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ.

وَبِشَرْطِ أَنْ يُمَارِسَ عِبَادَاتِهِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَخَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ للصَّلَاةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ العَمَلُ فِيهِ مُحَرَّمٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَأَثِّرَاً مِنْهُ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ العَمَلُ، لِأَنَّ دَرْءَ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ المَصَالِحِ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئَاً للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرَاً مِنْهُ. هذا، والله تعالى أعلم.