السؤال :
مَا الفَارِقُ بَيْنَ الكِفْلِ وَالنَّصِيبِ المُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتَاً﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9815
 2019-07-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: الشَّفَاعَةُ الحَسَنَةُ لَقَدْ أَمَرَ بِهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ هِيَ زَكَاةُ الجَاهِ، وَمَعْنَاهَا الوَسَاطَةُ في جَلْبِ خَيْرٍ أَو دَفْعِ ضُرٍّ للمَشْفُوعِ لَهُ بِدُونِ ضَيَاعِ حَقٍّ للآخَرِينَ.

أَمَّا الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ فَهِيَ الوَسَاطَةُ لِدَفْعِ الحَقِّ وَرَدِّهِ، أَو بِإِقْرَارِ البَاطِلِ وَحُصُولِهِ، وَضَيَاعِ حُقُوقِ الآخَرِينَ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في شَأْنِ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟» رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

ثانياً: أَمَا الفَارِقُ بَيْنَ النَّصِيبِ وَالكِفْلِ، فَهُوَ كَمَا ذَكَرَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ:

النَّصِيبُ هُوَ الحَظُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً حَسَنَةً اسْتَوْجَبَ الأَجْرَ، وَفي الحَدِيثِ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ المَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَذَا هُوَ النَّصِيبُ.

أَمَّا الكِفْلُ فَهُوَ الحَظُّ وَالضِّعْفُ مِنَ الأَجْرِ وَالإِثْمِ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى المِثْلِ، كَمَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ مَعْنَاهُ ضِعْفَيْنِ، أَو مِثْلَيْنِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالنَّصِيبُ وَالكِفْلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ بَيْنَهُمَا.

فَالنَّصِيبُ هُوَ الجَزَاءُ عَلَى الحَسَنَةِ بِحَسَنَاتٍ مُضَاعَفَةٍ، وَالكِفْلُ يُسْتَعْمَلُ في الشِّدَّةِ وَفي الشيْءِ الرَّدِيءِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَيَنْدُرُ أَنْ يُسْتَخْدَمَ في غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾.

وَلِهَذَا خَصَّ بِهِ السَّيِّئَةَ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتَاً﴾ وَحَتَّى لَا يَقَعَ التَّكْرَارُ في الآيَةْ.

 وَمِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الكِفْلِ يَأْتِي بِالسَّيِّئَةِ، ما رواه الإمام الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمَاً، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ». هذا، والله تعالى أعلم.