35ـ كلمات في مناسبات: كلمة بمناسبة ليلة النصف من شعبان

 

 35ـ كلمات في مناسبات: كلمة بمناسبة ليلة النصف من شعبان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لِقاءُ المُؤمِنِينَ مَعَ بَعضِهِمُ البَعضِ فِيهِ خَيرٌ عَظِيمٌ، يَقوَى بَعضُهُم بِبَعضٍ، وَيَزدَادُ الجَمِيعُ إيماناً، وخَاصَّةً عِندَما يَذكُرونَ اللهَ تعالى.

ومن فَضْلِ الله عزَّ وجلَّ ورَحمَتِهِ أنْ جَعَلَ لنا في الزَّمَنِ مَحَطَّاتٍ لِتَقوِيَةِ الإيمانِ، من جُملَةِ ذلكَ شَهرُ شَعبانَ، فقد كَانَ يُكثِرُ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الصِّيَامِ، روى الإمام أحمد والنسائي عن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّهُ قالَ لِرَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِن الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ.

قَالَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

وروى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ.

وروى البيهقي عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالَت: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ  فقالَ: هذهِ اللَّيلَةُ لَيلَةُ النِّصفِ من شَعبَانَ، ولله فِيها عُتَقَاءُ من النَّارِ بِعَدَدِ شُعُورِ غَنَمِ كَلب، ولا يَنظُرُ اللهُ فِيهَا إلى مُشرِكٍ، ولا إلى مُشَاحِنٍ، ولا إلى قَاطِعِ رَحِمٍ، ولا إلى مُسبِلٍ، ولا إلى عَاقٍّ لِوَالِدَيهِ، ولا إلى مُدمِنِ خَمْرٍ». وهوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.

أيُّها الإخوة الكرام: لِيَتَفَقَّدْ كُلُّ وَاحِدٍ منَّا نَفسَهُ، هل تُوجَدُ فِيهِ صِفَةٌ من هذهِ الصِّفَاتِ التي هيَ من أكبَرِ الكَبَائِرِ، بِغَضِّ النَّظَرِ عن الحَدِيثِ الضَّعِيفِ أو لَا.

هذهِ الصِّفَاتُ صِفَاتٌ ذَمِيمَةٌ، وصَاحِبُها مُرتَكِبٌ للكَبَائِرِ، ورَبُّنا عزَّ وجلَّ لا يَنظُرُ إلَيهِ حتَى يَتُوبَ، وخَاصَّةً في اللَّيالِي الفَاضِلَةِ مِثلِ هذهِ اللَّيلَةِ.

الصِّنفُ الأوَّلُ: أصحَابُ الشِّرْكِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من الذينَ لا يَنظُرُ اللهُ تعالى إلَيهِم لَيلَةَ النِّصفِ من شَعبانَ أهلُ الشِّرْكِ، وإذا كَانَ اللهُ تعالى عَافَانَا من الشِّرْكِ الأكبَرِ، فَعَلَينا أن نَتَنَبَّهَ إلى الشِّرْكِ الأصغَرِ، وهوَ مَرَضٌ خَطِيرٌ أصابَ قُلُوبَ بَعضِ النَّاسِ.

فيا أصحَابَ الطَّاعاتِ والقُرُباتِ، عَلَيكُم بالإخلاصِ، لأنَّ العَمَلَ لا يَكونُ مَقبولاً إلا إذا كَانَ خَالِصاً لِوَجْهِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ورَبُّنا عزَّ وجلَّ بَيَّنَ في آخِرِ سُورَةِ الكَهْفِ هذا بِقَولِهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾.

كُلُّ عَمَلٍ لا بُدَّ لَهُ من نِيَّةٍ، فأدخِلُوا النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ في الأعمالِ الصَّالِحَةِ فإنَّها تَنفَعُكُم دُنيا وأُخرَى، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» رواه الإمام البخاري عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وقال تعالى: ﴿قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾.

حَذَّرَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الشِّرْكِ تَحْذِيراً شَدِيداً، روى الإمام مسلم عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ  ـ هوَ نَاتِلُ ابنُ قَيسٍ الخُزامِيُّ الشَّامِيُّ من أهلِ فلَسطِينَ، وهوَ تَابِعِيٌّ، وكَانَ أبوهُ صَحَابِيٌّ، وكَانَ نَاتِلُ كَبِيرَ قَومِهِ ـ : أَيُّهَا الشَّيْخُ، حَدِّثْنَا حَدِيثاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا.

قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟

قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ.

قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا.

قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟

قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ.

قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا.

قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟

قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ.

قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ».

وروى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ الله عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِن الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». يَعْنِي: رِيحَهَا.

الصِّنفُ الثَّانِي: أصحَابُ الشَّحْناءِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من الذينَ لا يَنظُرُ اللهُ تعالى إلَيهِم لَيلَةَ النِّصفِ من شَعبانَ أهلُ الشَّحْناءِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لمَّا طُرِدَ الشَّيطانُ من الجَنَّةِ امتَلَأَ غِلَّاً وبُغضاً على سَيِّدِنا آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ وذُرِّيَتِهِ، وقَطَعَ على نَفسِهِ عَهْداً أن يُغوِيَهُم جَمِيعاً ويُشقِيَهُم، فقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.

ومن أعظَمِ وَسَائِلِ الإغوَاءِ والإشقَاءِ زَرْعُ الغِلِّ والبَغضَاءِ في نُفُوسِ النَّاسِ، لِذا كَانَ أوَّلُ ذَنبٍ عُصِيَ اللهُ تعالى بِهِ في الأرضِ، وأدَّى إلى قَتْلِ ابنِ آدَمَ الأوَّلِ لأخِيهِ.

قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

فَكُلُّ قَتْلٍ يَقَعُ في الأرضِ ظُلماً وعُدواناً وخَاصَّةً بِسَبَبِ الشَّحْناءِ والبَغضاءِ يَتَحَمَّلُ ابنُ آدَمَ أوَّلُ قَاتِلٍ وِزْرَ ذلكَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْماً إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ».

أيُّها الإخوة الكرام: أينَ من يَهتَمُّ بِطَهَارَةِ القَلبِ وسَلامَتِهِ؟ أينَ الذي يَدعُو بِصِدْقٍ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

لا نَجَاةَ يَومَ القِيَامَةِ إلا لمن سَلِمَ قَلبُهُ، وسَلامَةُ القَلبِ تَقتَضِي طَهَارَتَهُ من الغِلِّ والشَّحْناءِ والبَغضاءِ، قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: اِسمَعُوا وَصِيَّةَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَاناً، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وَوَصِيَّتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟».

قَالُوا: بَلَى.

قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

الصِّنفُ الثَّالِثُ: قَاطِعُوا الرَّحِمِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من الذينَ لا يَنظُرُ اللهُ تعالى إلَيهِم لَيلَةَ النِّصفِ من شَعبانَ قَاطِعُوا الرَّحِمِ.

أيُّها الإخوة الكرام: من أُسُسِ الإيمانِ ودَعَائِمِ الإسلامِ صِلَةُ الرَّحِمِ، وهيَ وَاجِبَةٌ شَرعاً، وقَطْعُها كَبِيرَةٌ من الكَبَائِرِ.

روى الإمام البُخَاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَت الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِن الْقَطِيعَةِ.

قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟

قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ.

قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ».

قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: خَيرُ الأقَارِبِ من يُقَابِلُ الجَفَاءَ بالمَوَدَّةِ، والإسَاءَةَ بالإحسَانِ، والقَطْعَ بالوَصْلِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ.

فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِن الله ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».

أيُّها الإخوة الكرام: كُلَّما أمَرَ اللهُ تعالى بالتَّوحِيدِ، ونَهَى عن الشِّرْكِ، قَرَنَ ذلكَ بالإحسَانِ إلى الوَالِدَينِ والأقرَبِينَ، قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: قَطِيعَةُ الرَّحِمِ من أعظَمِ الكَبَائِرِ والذُّنُوبِ، وعُقُوبَتُها مُعَجَّلَةٌ في الدُّنيا قَبلَ الآخِرَةِ، روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أجدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعُقُوبَةَ لِصَاحِبِهِ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ».

أيُّها الإخوة الكرام: قَطْعُ الرَّحِمِ سَبَبٌ لِمَنْعِ استِجَابَةِ الدُّعاءِ، قالَ ابنُ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَوماً بَعدَ الصُّبحِ في حَلْقَةٍ لَهُ: أُنشِدُ اللهَ قَاطِعَ الرَّحِمِ إمَّا قَامَ عنَّا، فَإِنَّا نُرِيدُ أن نَدعُوَ رَبَّنا، وإنَّ أبوابَ السَّماءِ مُرتَجَةٌ ـ مُغلَقَةٌ ـ  دُونَ قَاطِعِ الرَّحِمِ.

الصِّنفُ الرَّابِعُ: المُتَكَبِّرُونَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من الذينَ لا يَنظُرُ اللهُ تعالى إلَيهِم لَيلَةَ النِّصفِ من شَعبانَ المُتَكَبِّرُونُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَضَّنا شَرعُنا الشَّرِيفُ على التَّحَلِّي بالصِّفَاتِ الحَمِيدَةِ، كما حَذَّرَنا من الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ، لأنَّها تُوَلِّدُ العَدَاوَةَ والبَغضَاءَ، من هذهِ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ صِفَةُ الكِبْرِ، هذهِ الصِّفَةُ صِفَةٌ ذَمِيمَةٌ، ومَرَضٌ عُضَالٌ، ودَاءٌ وَبِيلٌ يُؤَدِّي إلى الفُرقَةِ والبَغضَاءِ والعَدَاوَةِ، ويَقطَعُ ما أمَرَ اللهُ بهِ أن يُوصَلَ.

أيُّها الإخوة الكرام: عُقُوبَةُ المُتَكَبِّرِينَ قَاسِيَةٌ، وأعظَمُ ما يُجَازَى بِهِ المُتَكَبِّرُونَ صَرْفُهُم عن آياتِ الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾.

والمُتَكَبِّرُ لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إمَّا ابتِدَاءً وإمَّا أبدَاً، فإنِ استَحَلَّ الاستِكبَارَ فقد حُرِمَ الجَنَّةَ أبداً، وأمَّا إذا استَكبَرَ وهوَ لا يَعتَقِدُ حِلَّ ذلكَ فقد أتَى بِكَبِيرَةٍ من الكَبَائِرِ، واندَرَجَ تَحتَ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ. وتَحتَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: « قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا أَلقَيتُهُ في جَهَنَّمَ ».

أيُّها الإخوة الكرام: الاستِكبَارُ صِفَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وَضَعَها رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَحتَ قَدَمِهِ، روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ـ فَخْرهَا وَتَكَبُّرهَا وَنَخْوَتهَا ـ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ ـ أَذَلَّ ـ عَلَى الله مِن الْجِعْلَانِ ـ دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهَا ـ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ ـ العَذَرَةَ ـ».

أيُّها الإخوة الكرام: التَّوَاضُعُ صِفَةُ عِبَادِ الله المُتَّقِينَ، وحِليَةُ الأنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ، بِهِ يُرفَعُ العَبدُ المُؤمِنُ، وبالاستِكبَارِ يُذَلُّ دُنيا وأُخرَى.

الصِّنفُ الخَامِسُ: العَاقُّ لِوَالِدَيهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من الذينَ لا يَنظُرُ اللهُ تعالى إلَيهِم لَيلَةَ النِّصفِ من شَعبانَ العَاقُّونَ لآبائِهِم.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ عُقُوقَ الآباءِ والأُمَّهاتِ من أفحَشِ السَّيِّئاتِ، وأكبَرِ المُنكَرَاتِ، لقد جَعَلَ اللهُ تعالى حَقَّ الأبَوَينِ بَعدَ حَقِّ التَّوحِيدِ، قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.

لقد أمَرَ اللهُ تعالى بِبِرِّهِما والإحسَانِ إلَيهِما، ولو كَانا كَافِرَينِ، قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

كَيفَ لا يَكُونُ كذلكَ، وهُما اللَّذانِ تَعِبا كَثِيراً في رِعَايَتِنا زَمَناً طَوِيلاً، فَهُما أَولَى النَّاسِ بالمَعرُوفِ والإحسَانِ والبِرِّ والطَّاعَةِ، وهذا شَأنُ العُقَلاءِ، قال تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: من أرادَ الجَنَّةَ فَعَلَيهِ بِبِرِّ الوَالِدَينِ، لأنَّهُما سَبَبٌ كَبِيرٌ لِدُخُولِها، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ».

قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ الله؟

قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُل الْجَنَّةَ».

وروى الحاكم عن مُعَاوِيَةَ بنِ جَاهِمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ جَاهِمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقال: إِنِّي أَرَدتُ أن أَغزُوَ فَجِئتُ أَستَشِيرُكَ.

قال: «أَلَكَ وَالِدَةٌ؟».

قال: نعم.

قال: «اِذهَبْ فالزَمْهَا، فإنَّ الجَنَّةَ عِندَ رِجلَيهَا».

أيُّها الإخوة الكرام: جَاءَ رَجُلٌ من أَهلِ اليَمَنِ وقد حَمَلَ أُمَّهُ على عُنُقِهِ، فَجَعَلَ يَطُوفُ بها حَولَ البَيتِ وهو يَقُولُ:

إِنِّي لهــا بَــعيرُهَا المُـذَلَّلْ

إن أذْعِرَت رِكَابُها لم أَذعَرْ

ثمَّ قال: أَتُرانِي جَزَيتُها؟

قال ابنُ عُمَرَ: لا، ولا بِزَفرَةٍ. رواه البيهقي.

الصِّنفُ السَّادِسُ: مُدمِنُوا الخَمرِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من الذينَ لا يَنظُرُ اللهُ تعالى إلَيهِم لَيلَةَ النِّصفِ من شَعبانَ مُدمِنُوا الخَمرِ.

أيُّها الإخوة الكرام: العَقْلُ لَهُ حُرمَتُهُ ومَكَانَتُهُ في الشَّرِيعَةِ، لذلكَ حَرَّمَت كُلَّ ما يُفسِدُهُ أو يَذْهَبُ به من المُسْكِراتِ والمُخَدِّراتِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾.

ألا يَخَافُ هؤلاءِ الذينَ ارتَكَبُوا الجِنَايَةَ الكُبرَى في حَقِّ عُقُولِهِم التي مَيَّزَهُمُ اللهُ تعالى بها عن الأنعامِ العُقُوبَةَ والنَّكَالَ التي ثَبَتَت بِحَدِيثِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

لِيَسمَعْ شَارِبُوا الخَمرِ:

روى الإمام أحمد عن عَبْد الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُا، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ، مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ».

وروى الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ».

وروى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ لَقِيَ اللهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ الله بن عَمْرِو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ».

وروى الحاكم عَنْ عَبْدِ الله بن عَمْرِو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ مَلِكاً من مُلُوكِ بَنِي إسرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلاً فَخَيَّرَهُ بَينَ أن يَشرَبَ الخَمرَ أو يَقتُلَ نَفساً أو يَزنِيَ أو يَأكُلَ لَحمَ الخِنزِيرِ أو يَقتُلُوهُ إن أَبَى، فاختَارَ أن يَشرَبَ الخَمرَ وأنَّهُ لمَّا شَرِبَها لم يَمتَنِعْ من شَيءٍ أَرَادُوهُ مِنهُ».

وأنَّ رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال لنا مُجِيباً: «ما من أَحَدٍ يَشرَبُها فَيَقبَلُ اللهُ لَهُ صَلاةً أربَعِينَ لَيلَةً، ولا يَموتُ وفي مَثَانَتِهِ مِنها شَيءٌ إلا حَرُمَت عَلَيهِ بها الجَنَّةُ، فإن مَاتَ في أربَعِينَ لَيلَةٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: السَّعِيدُ فينا من كَانَ مُخلِصاً لله تعالى في عَمَلِهِ، والسَّعِيدُ فينا من كَانَ سَلِيمَ القَلبِ والصَّدْرِ تُجاهَ خَلْقِ الله جَمِيعاً، وخَاصَّةً المُؤمِنِينَ، والسَّعِيدُ فينا من كَانَ وَاصِلاً للرَّحِمِ وإن قَطَعَتْهُ، والسَّعِيدُ فينا من كَانَ مُتَوَاضِعاً لِخَلْقِ الله تعالى، والسَّعِيدُ فينا من كَانَ بارَّاً لِوَالِدَيهِ، والسَّعِيدُ فينا من كَانَ مُبتَعِداً عن المُسكِراتِ التي تَذهَبُ بالعَقلِ فَتَجعَلُهُ أقَلَّ دَرَجَةً من البَهَائِمِ.

بالله عَلَيكُم من كَانَت هذهِ صِفَاتُهُ، أو فِيهِ بَعضُ هذهِ الصِّفَاتِ أن يَذكُرَني بِدَعوَةٍ صَالِحَةٍ، وأن يَدعُوَ اللهَ تعالى أن يَكشَفَ هذهِ الغُمَّةَ عن هذهِ الأُمَّةِ عاجِلاً غَيرَ آجِلٍ بِجُودِهِ وفَضْلِهِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 14/شعبان /1435هـ، الموافق: 12/حزيران / 2014م

أخوكم أحمد النعسان

يَرجُوكُم دَعوَةً صَالِحَةً