18ـ دروس رمضانية 1435هـ: (ما هو موقفك إن فضحك الله تعالى؟)

 

 18ـ دروس رمضانية 1435هـ: (ما هو موقفك إن فضحك الله تعالى؟)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لِيُفَكِّرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا في العَمَلِ الذي يُقَدِّمُهُ، إنْ قَولاً بِجَارِحَةِ اللِّسَانِ، أو فِعلاً بِجَارِحَةٍ من جَوَارِحِ البَدَنِ، هل هذا العَمَلُ يُبَيِّضُ الوَجْهَ يَومَ نَلقَى اللهَ تعالى ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ واللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾. ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾. ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾. ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾.

هل قَبلَ القَولِ والعَمَلِ نَستَحضِرُ يَومَ يُبَعثَرُ ما في القُبُورِ، ويُحَصَّلُ ما في الصُّدُورِ؟ هل نَستَحضِرُ يَومَ الحَاقَّةِ، يَومَ الطَّامَّةِ، يَومَ القَارِعَةِ، يَومَ الزَّلزَلَةِ، يَومَ الصَّاخَّةِ؟ هل نَستَحضِرُ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾؟

﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: الكَثِيرُ يُرَاقِبُ البَشَرَ، وهوَ يَعلَمُ بأنَّ مُرَاقَبَةَ البَشَرِ للبَشَرِ قَاصِرَةٌ، والبَعضُ غَابَ عن مُرَاقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ لَهُ، ونَسِيَ قَولَهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾. ونَسِيَ قَولَهُ تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾. ونَسِيَ قَولَهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾. ونَسِيَ قَولَهُ تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾. ونَسِيَ قَولَهُ تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.

ما هوَ مَوقِفُكَ إنْ فَضَحَكَ اللهُ تعالى؟

أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ عَلَينَا جَمِيعَاً أن نَجعَلَ مُرَاقَبَتَنَا للهِ عزَّ وجلَّ لا للبَشَرِ، وليَتَصَورْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مَوقِفَهُ أمَامَ اللهِ تعالى، وأمَامَ العِبَادِ، إذا كَشَفَ اللهُ تعالى السِّتْرَ.

العَبدُ الكَافِرُ إذا رَاقَبَ البَشَرَ ونَسِيَ اللهَ تعالى فهذا أمرٌ لَيسَ بِغَرِيبٍ عَلَيهِ، وإذا فَضَحَهُ اللهُ تعالى رُبَّمَا أن يَدفَعَهُ ذلكَ للإسلامِ، كما حَصَلَ هذا لِعُمَيْرِ بنِ وَهْبٍ.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عُرْوَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ الْمَشْرِكُونَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ بَدْرٍ، وَقَدْ قَتَلَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، أَقْبَلَ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ حَتَّى جَاءَ إِلَى صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: قَبَّحَ اللهُ الْعَيْشَ بَعْدَ قَتْلَى بَدْرٍ.

فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَجَلْ، واللهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدُ، وَلَوْلا دَيْنٌ عَلَيَّ لا أَجِدُ لَهُ قَضَاءً وَعِيَالِي وَرَائِي لا أَجِدُ لَهُمْ شَيْئاً، لَدَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَقَتَلْتُهُ إِنْ مُلِئَتْ عَيْنِي مِنْهُ، فَإِنَّ لِي عِنْدَهُ عِلَّةً أَقُولُ قَدِمْتُ عَلَى ابْنِي هَذَا الأَسِيرُ.

فَفَرِحَ صَفْوَانُ بِقَوْلِهِ فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ، وَعِيَالُكَ أُسْوَةُ عِيَالِي فِي النَّفَقَةِ، إِنْ يَسَعْنِي شَيْءٌ وَنَعْجِزْ عَنْهُمْ.

فَحَمَلَهُ صَفْوَانُ وَجَهَّزَهُ بِسَيْفِ صَفْوَانَ فَصُقِلَ وَسُمَّ، وَقَالَ عُمَيْرٌ لِصَفْوَانَ: اكْتُمْنِي لَيَالِيَ.

فَأَقْبَلَ عُمَيْرٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ، وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، وَأَخَذَ السَّيْفَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَنَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَيَشْكُرُونَ نِعْمَةَ اللهِ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ عُمَيْرَ بن وَهْبٍ مَعَهُ السَّيْفُ فَزِعَ مِنْهُ، فَقَالَ: عِنْدَكُمُ الْكَلْبُ هَذَا عَدُوُّ اللهِ الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ.

فَقَامَ عُمَرُ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَذَا عُمَيْرُ بن وَهْبٍ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مَعَهُ السِّلاحُ، فَهُوَ الْفَاجَرُ الْغَادِرُ يَا رَسُولَ اللهِ، لا تَأْمَنْهُ.

قَالَ: «أَدْخِلْهُ عَلَيَّ».

فَدَخَلَ عُمَرُ وَعُمَيْرٌ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَحْتَرِسُوا مِنْ عُمَيْرٍ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ وَعُمَيْرُ بن وَهْبٍ، فَدَخَلا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ عُمَرَ سَيْفُهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: «تَأَخَّرْ عَنْهُ».

فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ حَيَّاهُ عُمَيْرٌ: أَنْعِمْ صَبَاحاً، وَهِيَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ تَحِيَّتِكَ، وَجَعَلَ تَحِيَّتَنَا السَّلامَ وَهِيَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

فَقَالَ عُمَيْرٌ: إِنَّ عَهْدَكَ بِهَا لَحَدِيثٌ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ بَدَّلَنَا اللهُ خَيْراً مِنْهَا، فَمَا أَقْدَمَكَ يَا عُمَيْرُ؟».

قَالَ: قَدِمْتُ فِي أَسِيرِي عِنْدَكُمْ فَقَارِبُونِي فِي أَسِيرِي، فَإِنَّكُمُ الْعَشِيرَةُ وَالأَهْلُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي رَقَبَتِكَ؟».

فَقَالَ عُمَيْرٌ: قَبَّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ، فَهَلْ أَغْنَتْ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ، أَنَا نَسِيتُهُ وَهُوَ فِي رَقَبَتِي حِينَ نَزَلَتْ وَلَعَمْرِي إِنَّ لِي غَيْرَةً.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اصْدُقْنِي مَا أَقْدَمَكَ؟».

قَالَ: مَا قَدِمْتُ إِلا فِي أَسِيرِي.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا شَرَطْتَ لِصَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ فِي الْحِجْرِ؟».

فَفَزِعَ عُمَيْرٌ، وَقَالَ: مَاذَا اشْتَرَطْتُ لَهُ؟.

قَالَ: «تَحَمَّلْتَ لَهُ بِقَتْلِي عَلَى أَنْ يَعُولَ بنيكَ وَيَقْضِيَ دَيْنَكَ، واللهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ».

فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، كُنَّا يَا رَسُولَ اللهِ نُكَذِّبُ بِالْوَحْيِ، وَبِمَا يَأْتِيكَ مِنَ السَّمَاءِ.

وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَفْوَانَ فِي الْحِجْرِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ أَخْبَرَكَ اللهُ بِهِ، فَآمَنْتُ باللهِ وَرَسُولِهِ وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي سَاقَنِي هَذَا الْمَقَامَ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ هَدَاهُ اللهُ.

وَقَالَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَخِنْزِيرٌ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ حِينَ اطَّلَعَ، وَلَهُوَ الْيَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَعْضِ بنيَّ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اجْلِسْ نُوَاسِكَ».

وَقَالَ: «عَلِّمُوا أَخَاكُمُ الْقُرْآنَ». وَأَطْلَقَ لَهُ أَسِيرَهُ.

وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ كُنْتُ جَاهِداً مَا اسْتَطَعْتُ عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللهِ، فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي سَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ، فَلْتَأْذَنْ لِي، فَأَلْحَقَ بِقُرَيْشٍ، فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى الإِسْلامِ لَعَلَّ اللهَ يَهْدِيهِمْ وَيَسْتَنْقِذُهُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَجَعَلَ صَفْوَانُ يَقُولُ لِقُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ: أَبْشِرُوا بِفَتْحٍ يُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَجَعَلَ يَسْأَلُ كُلَّ رَاكِبٍ قَدِمَ مِنَ الْمَدِينَةِ، هَلْ كَانَ بِهَا مِنْ حَدَثٍ؟ وَكَانَ يَرْجُو مَا قَالَ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلَ صَفْوَانُ عَنْهُ، فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمَ، فَلَقِيَهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالُوا: قَدْ صَبَأَ، وَقَالَ صَفْوَانُ: إِنَّ عَلَيَّ أَنْ لا أَنْفَعَهُ بنفَقَةٍ أَبَداً، وَلا أُكَلِّمَهُ مِنْ رَأْسٍ كَلِمَةً أَبَداً، وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ عُمَيْرٌ وَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَنَصَحَ لَهُمْ، فَأَسْلَمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ .

أيُّها الإخوة الكرام: فَضَحَ اللهُ تعالى هذا العَبدَ الذي كَانَ غَافِلاً عن مُرَاقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ لَهُ، لأنَّهُ كَانَ كَافِرَاً باللهِ تعالى ومُشرِكَاً بِهِ، وكَانَتِ النَّتِيجَةُ هِدَايَتَهُ إلى اللهِ تعالى، والإسلامُ يَجُبُّ ما قَبلَهُ.

ولكن، ما هوَ مَوقِفُ المُؤمِنِ الذي آمَنَ بِقَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾. وآمَنَ بِقَولِهِ تعالى: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾. وآمَنَ بِقَولِهِ تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾. عِندَمَا يَجتَرِئُ على مَعصِيَةِ اللهِ تعالى سِرَّاً أو جَهْرَاً؟ وما هوَ مَوقِفُهُ إنْ فَضَحَهُ اللهُ تعالى؟

يا من ارتَكَبَ المَعصِيَةَ بَعِيدَاً عن أَعيُنِ الخَلْقِ:

أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لِكُلِّ من ارتَكَبَ المَعصِيَةَ بَعِيدَاً عن أَعيُنِ الخَلْقِ: أنتَ وَاحِدٌ من اثنَينِ، إذا كُنتَ تَعتَقِدُ بأنَّ اللهَ تعالى لا يَرَاكَ فقد كَفَرتَ، وإذا كُنتَ تَعتَقِدُ بأنَّ اللهَ تعالى يَرَاكَ، فلماذا جَعَلتَهُ أهوَنَ النَّاظِرِينَ إلَيكَ؟

تَذَكَّرْ يا عَبدَ اللهِ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً﴾.

تَذَكَّرْ قَولَ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً».

قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ.

قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِن اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا» رواه ابن ماجه عن ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَّقِ اللهَ تعالى الذي لا يَخفَى عَلَيهِ شَيءٌ في الأرضِ ولا في السَّمَاءِ، ولنَتَذَكَّرْ قَولَ اللهِ تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾. ولنَجعَلْ شِعَارَنَا كُلَّمَا سَوَّلَت لَنَا أنفُسُنَا الأَمَّارَةُ بالسُّوءِ فِعلَ ذَنبٍ من الذُّنُوبِ: فَأَينَ اللهُ؟

رُوِيَ أنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، كَانَ يَعِسُّ لَيلَةً مِنَ الليَالِي وَيَتَتَبَّعُ أَحوَالَ الأُمَّةِ، وَتَعِبَ فَاتَّكَأَ عَلَى جِدَارٍ لِيَستَرِيحَ، فَإِذَا بامرَأَةٍ تَقُولُ لِابنَتِهَا: اُمذُقِي اللَّبَنَ بالمَاءِ لِيَكثُرَ عِندَ البَيعِ.

فَقَالَتِ البِنتُ: إنَّ عُمَرَ أَمَرَ مُنَادِيهِ أَن يُنَادِي أَن لَا يُشَابَ اللَّبَنُ بِالمَاءِ.

فَقَالتِ الأُمُّ: يَا ابنَتِي قُومِي فَإِنَّكِ بِمَوضِعٍ لَا يَرَاكِ فِيهِ عُمَرُ وَلَا مُنَادِيهِ.

فَقَالتِ البِنتُ: أَي أُمَّاهُ، فَأَينَ اللهُ؟ واللهِ مَا كُنتُ لِأُطِيعَهُ فِي المَلَإِ، وَأَعصِيهِ فِي الخَلَاءِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لِنِطُعِ اللهَ تعالى سِرَّاً وجَهْرَاً، ولنَحذَرِ المَعصِيَةَ سِرَّاً وجَهْرَاً، فَكُلُّ شَيءٍ مَحصِيٌّ عَلَينَا، ورَبُّنَا عزَّ وجلَّ رَقِيبٌ عَلَينَا.

اللَّهُمَّ لا تُسَوِّدْ وُجُوهَنَا يَومَ القِيَامَةِ، يا من سَتَرتَنَا فِيمَا مَضَى، لا تَهتِكِ السِّتْرَ عَنَّا فِيمَا بَقِيَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 18/ رمضان/1435هـ، الموافق: 16/تموز / 2014م