87ـ كلمة شهر جمادى الأولى 1435هـ: جريمة الزنا إنذار خطر

  

  87ـ كلمة شهر جمادى الأول1435هـ: جريمة الزنا إنذار خطر

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام:  ما من أحَدٍ من العِبادِ إلا وهوَ في أشَدِّ الحاجَةِ وأمَسِّ الافتِقارِ إلى حِفظِ الله تعالى له وكَلاءَتِهِ ونُصرَتِهِ، وخاصَّةً في أيَّامِ الأزَماتِ، في أيَّامِ الخَوفِ والفَزَعِ والرُّعبِ، في أيَّامِ الأرَقِ والقَلَقِ، في أيَّامِ الاضطِراباتِ، في أيَّامِ الفِتَنِ التي تَجعَلُ الحَليمَ حَيرانَ.

وقد يَتَساءَلُ أحَدُنا ما هوَ السَّبيلُ لِحِفظِ الله تعالى لنا من الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ؟ ما هوَ السَّبيلُ لِحِفظِ الله تعالى لنا من شَرِّ الأشرارِ وكَيدِ الفُجَّارِ؟ ما هوَ السَّبيلُ لِحِفظِ الله تعالى لنا من طَوارِقِ اللَّيلِ والنَّهارِ؟

يا عِبادَ الله، لقد أجابَ عن هذا السُّؤالِ سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْماً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ الله، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَت الْأَقْلَامُ، وَجَفَّت الصُّحُفُ».

حِفظُ حُدودِ الله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: هكذا عَلَّمَنا سيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كيفَ يَحفَظُنا اللهُ تعالى من كُلِّ ما نَخافُهُ، فَجَعَلَ حِفظَ الله تعالى إيَّانا نَتيجَةً لِحِفظِنا لله تعالى «احْفَظ اللهَ يَحْفَظْكَ» ومَعنى حِفظِنا لله تعالى يَعني امتِثالَ أوامِرِهِ، واجتِنابَ نَواهِيهِ، فإذا فَعَلنا ذلكَ كُنَّا من المُؤمِنينَ المُتَّقينَ الذينَ يَنالُهُم حِفظُ الله تعالى ورِعايَتُهُ الخاصَّةُ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور﴾.

يا عِبادَ الله، هذهِ الآيَةُ بِشارَةٌ عُظمى يَسكُنُ إلَيها قَلبُ المُؤمِنِ، وهوَ يَعيشُ في خِضَمِّ هذهِ الأزمَةِ التي كادَت أن تَصِلَ إلى فِتنَةِ النَّاسِ في دِينِها والعِياذُ بالله تعالى.

حِفظُ الله تعالى لِعِبادِهِ المُتَّقينَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من حِفظِ الله تعالى حِفظُهُ للعَبدِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، قال تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلا هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيم﴾.

مِثالٌ رائِعٌ لمن حَفِظَ اللهَ تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: خُذوا هذا المِثالَ الرَّائِعَ لمن حَفِظَ اللهَ تعالى، ولمن حَفِظَهُ اللهُ تعالى، اِسمَعوا هذا المِثالَ الرَّائِعَ أيُّها الشَّبابُ وخاصَّةً وأنتُم تَخافونَ على مُستَقبَلِكُم، وأنتُم تَتَطَلَّعونَ إلى نِهايَةِ هذهِ الأزمَةِ، وأنتُم تَتَطَلَّعونَ إلى الخُروجِ منها بِسَلامٍ وأمانٍ.

روى الشيخان عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ أَخَذَهُم الْمَطَرُ فَأَوَوا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِن الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لله فَادْعُوا اللهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ.

فقَالَ أحَدُهُم: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ الله، اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفْتَح الْخَاتَمَ، فَقُمْتُ عَنْهَا.

اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا، فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً».

جَريمَةُ الزَّنا إنذارُ خَطَرٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: ما تَعيشُ الأمَّةُ حَياةَ الشَّقاءِ والضَّنكِ إلا نَتيجَةً حَتمِيَّةً عادِلَةً لانحِرافِها عن مَنهَجِ ربِّها عزَّ وجلَّ، وتَنَحِّيها شَريعَةَ المُصطَفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾.

يا عِبادَ الله، بَلَدُنا هذا يَعيشُ في أزمَةٍ قاسِيَةٍ نَتيجَةَ الجُرأةِ على حُدودِ الله تعالى، والتي من جُملَتِها ارتِكابُ الفاحِشَةِ، والعِياذُ بالله تعالى.

يا عِبادَ الله، تَدَبَّروا قَولَ الله تعالى في صِفاتِ عِبادِهِ المُؤمِنينَ المُفلِحينَ: ﴿وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾.

وتَدَبَّروا قَولَ سيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» رواه الشَّيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وقَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ» رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وفي روايةٍ للحاكم عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن زَنَى وَشَرِبَ الخَمرَ نَزَعَ اللهُ منهُ الإيمانَ كما يَخلَعُ الإنسانُ القَميصَ من رَأسِهِ».

وقَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُم اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ» رواه الإمام مسلم عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

وقَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الرُّؤيا: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ـ فَذَكَرَ مِمَّا رأى: ـ

قالا: اِنطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ـ فرنٌ تُوقَدُ تَحتَهُ النَّارُ ـ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَاراً، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ.

قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ.

قَالَا: نَعَمْ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُم الزُّنَاةُ» رواه الإمام البخاري عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ تَرْكَ جَريمَةِ الزِّنا سَبَبٌ من أسبابِ تَفريجِ الكَربِ، وسَبَبٌ من أسبابِ كَشفِ الغُمَّةِ عنَّا في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا، وسَبَبٌ لِكَشفِ الكَربِ والغُمَّةِ عنَّا في أرضِ المَحشَرِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» وعَدَّ منهُم: «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

فيا من أرادَ كَشفَ الغُمَّةِ عن نَفسِهِ وعن هذا البَلَدِ عَلَيكَ بِتَقوى الله عزَّ وجلَّ في أعراضِ النَّاسِ، ويا من أرادَت كَشفَ الغُمَّةِ عن نَفسِها وعن هذا البَلَدِ عَلَيها بِتَقوى الله تعالى في الرِّجالِ.

ويا من أرادَ كَشفَ الغُمَّةِ والكَربِ عنهُ في أرضِ المَحشَرِ من الرِّجالِ والنِّساءِ قل إذا دُعيتَ إلى مَعصِيَةٍ وفاحِشَة: إِنِّي أَخَافُ اللهَ.

اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلوبَنا، وحَصِّنْ فُروجَنا، واختِمْ لنا بالباقِياتِ الصَّالِحاتِ آجالَنا وأعمالَنا، واكشف عنَّا ما أهَمَّنا وأغَمَّنا. آمين.

أقولُ هَذا القَولَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم، فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

**        **     **

تاريخ الخطبة:

الأحد: 1/جمادى الأول/1435هـ، الموافق: 2/آذار/ 2013م