120ـ مع الحبيب المصطفى: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

120ـ  «مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من مُنطَلَقِ المَسؤولِيَّةِ عن أهلِنا وأزواجِنا يَومَ القِيامَةِ، ومن مُنطَلَقِ مَسؤولِيَّةِ كُلِّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ اللهُ تعالى، أقولُ: يَجِبُ أن يُعطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ منَّا شَيئاً من اهتِمامِهِ نَحوَ أُسرَتِهِ، لأنَّ فَسادَ الأُسرَةِ يَعني فَسادَ المُجتَمَعِ، كما أنَّ صَلاحَ الأُسرَةِ صَلاحُ المُجتَمَعِ.

لقد ابتَعَدَت نِساؤُنا وبَناتُنا عن دِينِ الله عزَّ وجلَّ ـ إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى ـ فَهَلَّا جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ منَّا لأهلِهِ نَصيباً من وَقتِهِ ناصِحاً ومُرشِداً لَهُم، مُحَبِّباً لَهُمُ القُرآنَ والسُّنَّةَ والإسلامَ، ومُذَكِّراً لَهُم بالحَقائِقِ التي سَتُلاقِيهِم؟

السَّعَادَةُ سَعَادَتانِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَعلَمْ جَميعاً ولنُعَلِّمْ نِساءَنا وبَناتِنا خاصَّةً، بأنَّ السَّعَادَةَ سَعَادَتانِ، سَعَادَةٌ دُنيَوِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ مَمزوجَةٌ بالمُنَغِّصاتِ بِعُمُرٍ قَصيرٍ مَحدودٍ، وسَعَادَةٌ أُخرَوِيَّةٌ دَائِمَةٌ لا انقِطاعَ لها أبداً صَافِيَةٌ من المُنَغِّصاتِ بِعُمُرٍ لهُ بِدَايَةٌ ولَيسَ لهُ نِهَايَةٌ.

ومن قَصَرَ سَعَادَتَهُ على سَعَادَةِ الدُّنيا فَقَط دُونَ سَعَادَةِ الآخِرَةِ، فهوَ عَبدٌ مَوهومٌ، سَوفَ يَنسَى تِلكَ السَّعَادَةَ المَوهومَةَ بِغَمسَةٍ وَاحِدَةٍ في نَارِ جَهَنَّمَ، وأمَّا من رَبَطَ بَينَ سَعَادَةِ الدُّنيا وسَعَادَةِ الآخِرَةِ فَلو حَصَلَ لهُ ما حَصَلَ في حَياتِهِ الدُّنيا من تَعَبٍ ونَصَبٍ وابتِلاءاتٍ، فَسَوفَ يَنسَى ذلكَ التَّعَبَ والنَّصَبَ والابتِلاءاتِ بِغَمسَةٍ وَاحِدَةٍ في جَنَّةِ الله عزَّ وجلَّ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِن الْكُفَّارِ، فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً، فَيُغْمَسُ فِيهَا.

ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَيْ فُلَانُ، هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟

فَيَقُولُ: لَا، مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ.

وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرَّاً وَبَلَاءً، فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً.

فَيُقَالُ لَهُ: أَيْ فُلَانُ، هَلْ أَصَابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أَوْ بَلَاءٌ؟

فَيَقُولُ: مَا أَصَابَنِي قَطُّ ضُرٌّ وَلَا بَلَاءٌ».

السَّعَادَةُ الكَامِلَةُ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَعلَمْ جَميعاً ولنُعَلِّمْ نِساءَنا وبَناتِنا خاصَّةً، بأنَّ السَّعَادَةَ الكَامِلَةَ لن تَكونَ إلا للمُؤمِنينَ والمُؤمِناتِ، إلا للصَّالِحينَ والصَّالِحاتِ، إلا للطَّيِّبينَ والطَّيِّباتِ، إلا للقَانِتينَ والقَانِتاتِ، إلا للعَابِدِينَ والعَابِدَاتِ، إلا للمُتَّقينَ والمُتَّقِياتِ، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾. هذا في الدُّنيا ـ وَوَعْدُ الله عزَّ وجلَّ لا يُخلَفُ ـ وأمَّا في الآخِرَةِ: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾.

السَّعَادَةُ الكَامِلَةُ ما كانَت ولن تَكونَ إلا في طَاعَةِ الله عزَّ وجلَّ، وطَاعَةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ما كانَت ولن تَكونَ إلا في السَّيْرِ على مِنهَجِ الله تعالى، وفي اتِّباعِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾.

والشَّقَاوَةُ كُلُّ الشَّقَاوَةِ في مَعصِيَةِ الله تعالى، ومَعصِيَةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والابتِعَادِ عن نَهْجِ الله تعالى، واتِّباعِ سَبيلٍ غَيرِ سَبيلِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً﴾.

قَدِّموا لأنفُسِكُم عَمَلاً صَالِحاً:

أيُّها الإخوة الكرام: أدعُو نَفسِي وأدعُوكُم، ولْنَدْعُ نِساءَنا وبَناتِنا خَاصَّةً إلى أن نُقَدِّمَ لأنفُسِنا أعمالاً صَالِحَةً مُنضَبِطَةً بِضَوابِطِ الشَّريعَةِ، لَعَلَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُبَيِّضَ وُجوهَنا يَومَ القِيامَةِ ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾ قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُون * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾.

ولَعَلَّ أن نَجِدَ في صَحَائِفِنا الخَيراتِ والمَبَرَّاتِ عِندَ تَطَايُرِ الصُّحُفِ، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ واللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد﴾.

ولَعَلَّ أن يُنجِيَنا رَبُّنا عزَّ وجلَّ من أهوالِ يَومِ القِيامَةِ، قال تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُون﴾.

ما أحَدٌ عَرَفَ قَدْرَكُنَّ مِثلُ الإسلامِ:

أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لِنِسائِكُم وبَناتِكُم إنْ أعرَضْنَ عن دِينِ الله عزَّ وجلَّ، واتَّبَعْنَ سَنَنَ الشَّرقِ والغَربِ، ونَبَذْنَ دِينَ الله عزَّ وجلَّ خَلفَ ظُهورِهِنَّ، وتَشَبَّهْنَ بالفَاسِقاتِ الفَاجِراتِ في ثِيابِهِنَّ وحَرَكَاتِهِنَّ وأقوالِهِنَّ وأفعَالِهِنَّ، قولوا لَهُنَّ: واللهِ ما أحَدٌ عَرَفَ قَدْرَكُنَّ مِثلُ الإسلامِ.

لقد جاءَ الإسلامُ وَوَجَدَ المَرأةَ سِلعَةً رَخيصَةً مُمتَهَنَةً مُحتَقَرَةً لا قِيمَةَ لها، بل كانَت عاراً على وَلِيِّها، وعاراً على أهلِها، وعاراً على المُجتَمَعِ الذي تَعيشُ فيهِ، لذلكَ كانوا يَتَخَلَّصونَ منها بِوَءْدِها وهيَ حَيَّةٌ، وقد سَطَّرَ رَبُّنا عزَّ وجلَّ هذا الماضي الأسوَدَ، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً وَهُوَ كَظِيم﴾. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَت * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت﴾.

أنتِ هِبَةٌ من الله تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَلَّمَنا رَبُّنا عزَّ وجلَّ في كِتابِهِ العَظيمِ بأنَّ الأُنثى ـ كالذَّكَرِ ـ هِبَةٌ من الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور﴾. لذلكَ أوصَى بِكِ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: من هذهِ الوَصَايا:

جاءَ في سُنَنِ أبي داود عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا ـ قَالَ: يَعْنِي الذُّكُورَ ـ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ».

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ».

وروى الترمذي عن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ». يَعْنِي: أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ.

وروى الترمذي أيضاً عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لِنِسائِكُم وبَناتِكُم: لقد سَوَّى رَبُّنا عزَّ وجلَّ بَينَ الرِّجالِ والنِّساءِ في عَشَرَةِ أُمورٍ، هيَ صَمَّامُ أمانٍ للجَميعِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْـمُسْلِمِينَ وَالْـمُسْلِمَاتِ وَالْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْـمُتَصَدِّقَاتِ وَالْصَّائِمِينَ وَالْصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾.

لقد سَوَّى بَينَ الرَّجالِ والنِّساءِ في العَقيدَةِ، والعِبَادَةِ، والأخلاقِ، والحُرِّيَّةِ الاقتِصَادِيَّةِ، والشَّرَفِ، والعِفَّةِ، فلماذا الإعراضُ عن دِينِ اللهِ تعالى؟ هل وَجَدَتِ المَرأَةُ خَيراً في غَيرِ الإسلامِ؟

اللَّهُمَّ رُدَّنا إلَيكَ رَدَّاً جَميلاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 19/جمادى الأولى/1435هـ، الموافق: 20/آذار/ 2014م