124ـ مع الحبيب المصطفى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ ...}

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

124ـ  ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الاهتِمامَ بِشَأنِ المَرأَةِ المُسلِمَةِ وَاجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ، وخاصَّةً في زَمَنِ المُغرِياتِ، وعَصرِ الانفِتاحِ على العَالَمِ، في زَمَنِ الشَّهَواتِ والشُّبُهاتِ، وقد حَذَّرَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من فِتنَةِ النِّساءِ، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِن النِّسَاءِ» رواه الشيخان عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ تَركَ المَرأَةِ شَرعَ رَبِّها، وهَدْيَ نَبِيِّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِتنَةٌ عَظيمَةٌ، ومُصيبَةٌ كُبرَى، حَيثُ تَتَساهَلُ بِعَفافِها وحِجَابِها، وتَنسى التَّأَسِّي بأُمَّهاتِ المُؤمِنينَ زَوجاتِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وتَنسى التَّأَسِّي بالطَّاهِراتِ العَفيفَاتِ من نِساءِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وتَنساقُ خَلفَ تَقليدِ الفَاجِراتِ العَاهِراتِ اللَّواتي نَسينَ اللهَ تعالى واليَومَ الآخِرَ.

ماذا يُريدُ أعداؤُنا من نِسائِنا؟

أيُّها الإخوة الكرام: أعداءُ هذهِ الأُمَّةِ سَلَّطوا سِهامَهُمُ المَسمومَةَ نَحوَ نِسائِنا، وأعَدُّوا لَهُنَّ الشِّراكَ، أرادوا تَحريرَها من دِينِها وأخلاقِها وعَفَافِها وطُهرِها، أرادوا أن يَجعَلوها أُلعُوبَةً في أيدِيهِم، ودُميَةً وسِلعَةً رَخيصَةً بَينَ ظَهرَانَيهِم، أرادوا أن يَجعَلوها عَارِضَةً للأزياءِ، وصُوَراً تُلصَقُ على أبوابِ المَحَلَّاتِ التِّجَارِيَّةِ، وَوَسيلَةَ دِعَاياتٍ للمُنتَجاتِ.

لقد أُصيبَتِ الأُمَّةُ في أخلاقِها، فأهمَلَت شَأنَ المَرأَةِ، وسَلَّمَت زِمامَها لأعداءِ هذهِ الأُمَّةِ، حتَّى عاثوا بها فَسَاداً، فاستَعصَت المَرأَةُ على زَوجِها، والبِنتُ على أبيها، والأُختُ على أخيها، إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى.

قَضِيَّةُ المَرأَةِ من أهَمِّ قَضايا المُسلِمِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ أهَمَّ قَضِيَّةٍ في حَياةِ المُسلِمِ بَعدَ قَضِيَّةِ الاعتِقادِ هيَ قَضِيَّةُ المَرأَةِ، لذلكَ تَرانا نَدعو اللهَ تعالى بِقَولِنا: اللَّهُمَّ لا تَجعَلْ مُصيبَتَنا في دِينِنا ولا في أعراضِنا.

إنَّ الاهتِمامَ بِقِيَمِنا ومُثُلِنا وأخلاقِنا، والتَّمَسُّكِ بِحَيائِنا وعِفَّتِنا، والثَّباتِ على دِينِنا، والغَيرَةِ على أعراضِنا وشَرَفِنا من نِسائِنا وبَناتِنا وأَخَوَاتِنا، وإحاطَتِهِنَّ بِسِياجٍ مَنيعٍ من الفَضيلَةِ، وصِيانَتِها من مُستَنقَعاتِ الرَّذيلَةِ والخِسَّةِ والدَّناءَةِ من أوجَبِ الوَاجِباتِ عَلَينا رِجالاً ونِساءً، وذلكَ لِقَولِهِ تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾. ولِقَولِهِ تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾.

نِساؤُنا ومَحارِمُنا وأعراضُنا هيَ جَواهِرُ مَكنونَةٌ، ودُرَرٌ مَصونَةٌ، يََجِبُ الحِفاظُ عَلَيهِنَّ من العَبَثِ والضَّياعِ، وأن لا نُسَلِّمَهُنَّ لتلكَ الأفكارِ والشِّعاراتِ البَرَّاقَةِ التي تَدفَعُهُنَّ لِفَقْدِ عَفَافِهِنَّ وطَهَارَتِهِنَّ من خلالِ دَعوَى التَّقَدُّمِ والحَضَارَةِ والرُّقِيِّ والمَدَنِيَّةِ المُعَاصِرَةِ.

﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: سَوفَ نُسألُ يَومَ القِيامَةِ عمَّن استَرعانا اللهُ عزَّ وجلَّ عَلَيهِ، الكُلُّ سَوفَ يُسألُ عن زَوجَتِهِ وبَناتِهِ يَومَ القِيامَةِ، هل وَجَّهَهُنَّ إلى كِتابِ الله عزَّ وجلَّ، وسُنَّةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ أم أهمَلَهُنَّ وتَرَكَ تَوجِيهَهُنَّ لأعداءِ هذهِ الأُمَّةِ من خِلالِ أجهِزَةِ الإعلامِ؟

أيُّها الإخوة الكرام: تَدَبَّروا هذهِ الآيَةَ الكَريمَةَ: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾.

هذا أمرٌ من الله تعالى لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ونَحنُ أُمِرنا بالتَّبليغِ عن سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما.

أيُّها الإخوة الكرام: تَدَبَّروا قَولَ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾.

فإذا كانَ هذا في حَقِّ أُمَّهاتِنا أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ الطَّاهِراتِ العَفيفَاتِ، وفي زَمَنِ الطُّهرِ والعَفافِ، وبَينَ رِجالٍ صَدَقوا ما عَاهَدوا اللهَ عَلَيهِ، فهوَ في حَقِّ نِسائِنا وبَناتِنا من بابِ أَولَى وأَولَى، وخاصَّةً في زَمَنٍ قَلَّ فيهِ الطُّهرُ وقَلَّ فيهِ العَفافُ، وبَينَ رِجالٍ غَيَّروا وبَدَّلوا وأحدَثوا في دِينِ الله عزَّ وجلَّ ما لم يَكُنْ عَلَيهِ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وسَلَفُنا الصَّالِحُ رَضِيَ اللهُ عنهُم.

﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: سَوفَ نُسألُ يَومَ القِيامَةِ عن أوامِرِ الله تعالى التي سَطَّرَها رَبُّنا عزَّ وجلَّ في كِتابِهِ العَظيمِ، وبَيَّنَ لنا بأنَّ خَيرَها عَائِدٌ عَلَينا، سَوفَ نُسألُ عن مِثلِ قَولِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

فيا من يُريدُ طَهَارَةَ قَلبِهِ وطَهَارَةَ قَلبِ زَوجَتِهِ وبَناتِهِ، أسمِعْ نَفسَكَ وزَوجَتَكَ وبَناتِكَ هذهِ الآيَةَ الكَريمَةَ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: البَعضُ يَقولُ: هذا في حَقِّ أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ، ولَيسَ في حَقِّ كُلِّ النِّساءِ، لأنَّ نِساءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُنَّ خُصُوصِيَّةٌ.

أيُّها الإخوة الكرام: تَدَبَّروا هذا القَولَ تَدَبُّراً جَيِّداً، ولا يَكُنْ أحَدُنا إمَّعَةً يَنقُلُ الكَلامَ بِدونِ رَوِيَّةٍ، من يَقولُ هذا القَولَ، كَأَنَّهُ يَقولُ: هذا في حَقِّ أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ، وفي حَقِّ أصحابِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذينَ أرادوا طَهَارَةَ قُلوبِهِم وقُلوبِهِنَّ، أمَّا نَحنُ فَسَوفَ نَسأَلُ ونَلتَقي بِدونِ حِجابٍ، سَوفَ نَختَلِطُ لأنَّنا لا نُريدُ طَهارَةِ قُلوبِنا ولا قُلوبِهِنَّ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد جَرَّبَت نِساؤُنا اليَومَ مُخَالَفَةَ أمرِ الله تعالى، وأمرَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بالله عَلَيكُم هل وَجَدَنَ في ذلكَ خَيراً؟ أم وَقَعوا في الضَّلالِ المُبينِ والفِتنَةِ والعَذابِ الأليمِ؟ كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً﴾. وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾.

فهل نَرجِعُ إلى أهَمِّ قَضِيَّةٍ بَعدَ قَضِيَّةِ دِينِنا ألا وهيَ قَضِيَّةُ أعراضِنا، فَنَهتَمَّ بها كما أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ؟

اللَّهُمَّ وَفِّقنا لذلكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 3/جمادى الأولى/1435هـ، الموافق: 3/نيسان/ 2014م