2ـ أشراط الساعة: الإيمان بالساعة وأشراطها من أركان الإيمان

 

أشراط الساعة

2ـ الإيمان بالساعة وأشراطها من أركان الإيمان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ اللهُ تعالى حِكَايَةً عن لِسَانِ مُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

لقد سَمَّى اللهُ تعالى الحَيَاةَ الدُّنيَا مَتَاعَاً، والمَتَاعُ هوَ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ صَاحِبُهُ بُرْهَةً من الزَّمَنِ، ثمَّ يَنقَطِعُ عَنهُ، فهوَ مَتَاعٌ ونَعِيمٌ لا يَدُومُ للعَبدِ، وإنْ دَامَ للعَبدِ فالعَبدُ لا يَدُومُ لَهُ.

ومَا عِيبَتِ الدُّنيَا بِأَكثَرَ من فَنَائِهَا وتَقَلُّبِ أَحوَالِهَا، وهوَ أَوَّلُ دَلِيلٍ على زَوَالِهَا، حَيَاةُ الإنسَانِ فِيهَا مُتَقَلِّبَةٌ، من صِحَّةٍ إلى مَرَضٍ، ومن غِنَىً إلى فَقْرٍ، ومن قُوَّةٍ إلى ضَعْفٍ، ومن وُجُودٍ إلى عَدَمٍ، ومن عَمَارٍ إلى خَرَابٍ، ومن اجتِمَاعٍ إلى فُرقَةٍ، ومَا فَوقَ التُّرَابِ تُرَابُ.

أيُّها الإخوة الكرام: الكُلُّ مَآلُهُ إلى المَوتِ، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. وهذا المَوتُ لَيسَ فَنَاءً أَبَدِيَّاً، بل هوَ انتِقَالٌ من دَارٍ إلى دَارٍ أُخرَى، من دَارِ العَمَلِ إلى دَارِ الجَزَاءِ والحِسَابِ، وذلكَ بَعدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، والسَّاعَةُ آتِيَةٌ، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾. فالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَوَقتُهَا غَيبٌ، وخَفَاؤُهَا لِحِكمَةٍ، والجَزَاءُ على الأَعمَالِ حَقٌّ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ﴾. لذلكَ قال تعالى: ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾.

الإيمَانُ بالسَّاعَةِ وأَشرَاطِهَا رُكْنٌ من أَركَانِ الإيمَانِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الإيمَانَ بالسَّاعَةِ وأَشرَاطِهَا رُكْنٌ من أَركَانِ الإيمَانِ، الإيمَانُ بالبَعثِ والنُّشُورِ والجَنَّةِ والنَّارِ، والجَزَاءِ على الأَعمَالِ رُكْنٌ من أَركَانِ الإيمَانِ، بِهِ يَستَقِيمُ العَبدُ، وبِفَقْدِهِ يَنحَرِفُ، قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

الإيمَانُ بِيَومِ القِيَامَةِ رُكْنٌ من أَركَانِ الإيمَانِ، ومُنكِرُهُ كَافِرٌ، ولا يَكمُلُ إيمَانُ العَبدِ إلا بِهِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾.

أَشرَاطُ السَّاعَةِ وعَلَامَاتُهَا:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الإيمَانَ بالسَّاعَةِ وأَشرَاطِهَا وعَلَامَاتِهَا السَّابِقَةِ لَهَا من الإيمَانِ بالغَيبِ، وقد استَأثَرَ اللهُ تعالى بِعِلْمِ السَّاعَةِ، فلا يَعلَمُ وَقتَهَا إلا اللهُ تعالى، ولكن أَخبَرَنَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عن مَجِيءِ أَشرَاطِ السَّاعَةِ بِشَكلٍ إجمَالِيٍّ، وجَاءَ تَفَاصِيلُهَا في الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ.

قال تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَـهُم إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ اللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾.

فَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ لم يُفَصِّلْ أَشرَاطَهَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ، ولكن أَوكَلَ اللهُ تعالى بَيَانَ أَشرَاطِهَا إلى الحَبِيبِ الأَعظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

المُبَادَرَةُ بالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ قَبلَ ظُهُورِ الفِتَنِ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ من حِرْصِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أُمَّتِهِ أَنَّهُ حَثَّهُم على المُبَادَرَةِ بالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ قَبلَ إِدرَاكِ الفِتَنِ وتَظَاهُرِهَا، لأنَّ الإنسَانَ لا يَدرِي مَا يَكُونُ حَالُهُ حِينَ يُدرِكُهَا، ولا مَا يَفعَلُ، وبِمَاذا يُبتَلَى بِهِ، وهل يَثبُتُ أم لا؟

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِن الدُّنْيَا».

وروى الإمام مسلم أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتَّاً، طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَو الدُّخَانَ، أَو الدَّجَّالَ، أَو الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ».

وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعاً، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْراً مُنْسِياً، أَوْ غِنىً مُطْغِياً، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً، أَو هَرَماً مُفَنِّداً، أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً، أَو الدَّجَّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَو السَّاعَةَ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الكُلُّ مَآلُنَا إلى المَوتِ، والكُلُّ مَصِيرُنَا إلى يَومِ القِيَامَةِ، والكُلُّ سَيُحَاسَبُ على أَقوَالِهِ وأَفعَالِهِ، فَهَل من مُبَادِرٍ للأَعمَالِ الصَّالِحَاتِ، وخَاصَّةً في أَيَّامِ الهَرْجِ، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» رواه الإمام مسلم عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لما يُرضِيكَ عَنَّا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 28/ذو الحجة/1435هـ، الموافق: 22/تشرين الأول / 2014م