95ـ كلمة شهر محرم 1436هـ: (أصل الضلال اتباع الظن والهوى)

 

 

95ـ كلمة شهر محرم 1436هـ: (أصل الضلال اتباع الظن والهوى)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أَعظَمِ دَوَاعِي الضَّلالِ والانحِرَافِ عن جَادَّةِ الاستِقَامَةِ، هوَ اتِّبَاعُ الهَوَى، كَمَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِهَلاكِ الأُمَّةِ وسَوقِهَا إلى الدَّمَارِ، وهوَ سَبَبٌ لِهَلاكِ العَبدِ حَتَّى يُورِدَهُ إلى نَارِ جَهَنَّمَ والعِيَاذُ باللهِ تعالى.

أَصْلُ الضَّلالِ اتِّبَاعُ الظَّنِّ والهَوَى، قال تعالى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾. الضَّالُّ لا يَعمَلُ بالهُدَى، ومُتَّبِعُ الهَوَى غَاوٍ لا يَتَّبِعُ الهُدَى، لِذَا تَرَاهُ ظَالِمَاً في أَقوَالِهِ وأَفعَالِهِ، لأنَّ هَوَاهُ قد أَعمَاهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَذَّرَنَا اللهُ تعالى من مُجَالَسَةِ أَهلِ الأَهوَاءِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾.

وكَانَ يَقُولُ أَبُو قِلابَةَ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ، أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ.

ويَقُولُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، فإنَّ مُجَالَسَتَهُم مُمرِضَةٌ للقُلُوبِ.

ويَقُولُ إبرَاهِيمُ النَّخعِيُّ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُم تَذهَبُ بِنُورِ الإيمَانِ من القُلُوبِ، وَتَسلِبُ مَحَاسِنَ الوُجُوهِ، وَتُورِثُ البُغضَةَ في قُلُوبِ الُمؤمِنِينَ.

ويَقُولُ مُصعَبُ بنُ سَعْدٍ: لا تُجَالِسْ مَفتُونَاً، فَإِنَّهُ لَن يُخطِئَكَ مِنهُ إِحدَى اثنَتَينِ، إِمَّا أن يَفتِنَكَ فَتُتَابِعَهُ، وَإِمَّا أن يُؤذِيَكَ قَبلَ أن تُفَارِقَهُ.

وقَالَ يُونُسُ بنُ عُبَيدٍ: أُوصِيكُم بِثَلاثٍ، فَخُذُوهَا عَنِّي حَيِيتُ أو مِتُّ: لا تُمَكِّنْ سَمْعَكَ من صَاحِبِ هَوَى، ولا تَخْلُ بامرَأَةٍ لَيسَت لَكَ بِمَحرَمٍ، ولَو أن تَقرَأَ عَلَيهَا القُرآنَ، ولا تَدخُلَنَّ على أَمِيرٍ، ولَو أن تَعِظَهُ.

أَهلُ الأَهوَاءِ دَخَلُوا تَحتَ قَولِ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.

﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ الإمامُ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: كُلُّ مَسأَلَةٍ حَدَثَت في الإسلامِ فَاختَلَفَ النَّاسُ فِيهَا ولم يُورِثْ ذلكَ الاختِلافُ بَينَهُم عَدَاوَةً ولا بَغضَاءَ ولا فُرقَةً عَلِمنَا أَنَّها من مَسَائِلِ الإسلامِ، وكُلُّ مَسأَلَةٍ طَرَأَت فَأَوجَبَتِ العَدَاوَةَ والتَّنَافُرَ والتَّنَابُزَ والقَطِيعَةَ عَلِمنَا أَنَّها لَيسَت من أَمْرِ الدِّينِ في شَيءٍ، وَأَنَّها التي عَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَفسِيرِ الآيَةِ، وهيَ قَولُهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً﴾. فَيَجِبُ على كُلِّ ذِي دِينٍ وعَقْلٍ أن يَجتَنِبَهَا، ودَلِيلُ ذلكَ قَولُهُ تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾. فإذا اختَلَفُوا وتَقَاطَعُوا كَانَ ذلكَ لِحَدَثٍ أَحدَثُوهُ من اتِّبَاعِ الهَوَى.

هذا مَا قَالُوهُ، وهوَ ظَاهِرٌ في أنَّ الإسلامَ يَدعُو إلى الأُلفَةِ والتَّحَابِّ والتَّرَاحُمِ والتَّعَاطُفِ؛ فَكُلُّ رَأْيٍ أَدَّى إلى خِلافِ ذلكَ فَخَارِجٌ عن الدِّينِ.

أيُّها الإخوة الكرام: روى ابن أبي حاتم والبيهقي عَن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أنَّ رَسُولَ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها: «يَا عَائِشَةُ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً﴾ هُم أَصحَابُ الأَهوَاءِ والبِدَعِ، يَا عَائِشَةُ، إنَّ لِكُلِّ صَاحِبِ ذَنبٍ تَوبَةً إلا أَصحَابَ البِدَعِ لَيسَت لَهُم تَوبَةٌ، فَهُم مِنِّي بَراءٌ، وأنا مِنهُم بَريءٌ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَعَلَّنَا ونَحنُ نَعِيشُ هذهِ الأَزمَةَ القَاسِيَةَ التي سُفِكَت فِيهَا دِمَاءٌ بَرِيئَةٌ لا يَعلَمُ عَدَدَهَا إلا اللهُ تعالى، وسُلِبَت أَموَالٌ لا يَعلَمُ قَدْرَهَا إلا اللهُ تعالى، ونَفَرَ نَاسٌ عن دِينِ اللهِ تعالى لا يَعلَمُ عَدَدَهُم إلا اللهُ تعالى، لَعَلَّنَا ونَحنُ نَعِيشُ هذهِ الأَزمَةَ التي كَانَت عَوَاقِبُهَا وَخِيمَةً وَوَخِيمَةً جِدَّاً، أن نَسمَعَ هَدْيَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَعصُومِ، الذي مَا يَنطِقُ عن الهَوَى، إنْ هوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثاً، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثاً، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ـ وفي روايةِ الإمام أحمد: وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ ـ وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ».

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

وفي الخِتَامِ، يَقُولُ اللهُ تعالى:  ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾. فمن آذَى مُؤمِنَاً حَيَّاً أو مَيْتَاً بِغَيرِ ذَنبٍ يُوجِبُ ذلكَ فقد دَخَلَ في هذهِ الآيَةِ.

ويَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ويَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

ويَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَمَى مُؤْمِناً مِنْ مُنَافِقٍ يَعِيبُهُ بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَكاً يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ بَغَى مُؤْمِناً بِشَيْءٍ يُرِيدُ بِهِ شَيْنَهُ حَبَسَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» رواه الإمام أحمد عن أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

اللَّهُمَّ اجعَلْ هَوَانَا تَبَعَاً لما جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 1/محرم /1436هـ، الموافق: 25/تشرين الأول / 2014م