169ـ مع الحبيب المصطفى: «لَا تُنْفِقْ امْرَأَةٌ شَيْئاً مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا»

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

169ـ وقفة مع خطبة حجة الوداع (8)

«لَا تُنْفِقْ امْرَأَةٌ شَيْئاً مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ أَوَّلَ حَقٍّ وأَعظَمَ حَقٍّ للزَّوجِ على زَوجَتِهِ أن تَعرِفَ الزَّوجَةُ مَكَانَةَ زَوجِهَا وأَهَمِّيَّتَهُ بالنِّسبَةِ لَهَا، لأنَّ مَكَانَةَ الزَّوجِ المُسلِمِ في الأُسرَةِ مَكَانَةٌ تَفُوقُ كُلَّ تَصَوُّرٍ.

روى الإمام أحمد عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا.

فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟».

قَالَتْ: نَعَمْ.

قَالَ: «كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟».

قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ.

قَالَ: «فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ».

وروى الترمذي وابن ماجه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ».

وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ».

أيُّها الإخوة الكرام: الزَّوجَةُ الصَّالِحَةُ التي تَرَبَّتِ التَّربِيَةَ الصَّحِيحَةَ في بَيتِ أَبَوَيهَا، ونَشَأَت في بَيتٍ مُسلِمٍ مُلتَزِمٍ تَعرِفُ هذا الحَقَّ، وهيَ التي تَعِيشُ حَيَاتَهَا مَعَ زَوجِهَا من خِلالِ هذا الحَقِّ العَظِيمِ، قال تعالى في الزَّوجَاتِ الصَّالِحَاتِ: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾. فالمَرأَةُ الصَّالِحَةُ تَعرِفُ قَدْرَ زَوجِهَا، وتَحفَظُ حَقَّهُ في حَالِ حُضُورِهِ وغَيبَتِهِ، وفي حَالِ حَيَاتِهِ وحَتَّى بَعدَ مَوتِهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: من أَكرَمَهُ اللهُ تعالى بِزَوجَةٍ صَالِحَةٍ تَعرِفُ حَقَّهُ وقَدْرَهُ فقد أَكرَمَهُ بِفَائِدَةٍ عَظِيمَةٍ، ومَا أَعظَمَهَا من فَائِدَةٍ بَعدَ تَقوَاهُ للهِ تعالى، روى ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللهِ خَيْراً لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ».

المَرأَةُ الصَّالِحَةُ لا تُؤذِي زَوجَهَا:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ المَرأَةَ الصَّالِحَةَ التي تَرَبَّتْ على الكِتَابِ والسُّنَّةِ لا تُؤذِي زَوجَهَا في نَفْسِهَا ولا في مَالِهِ، ولا تُؤذِي زَوجَهَا بِكَلِمَةٍ ولا بِنَظْرَةٍ، لا تُؤذِي زَوجَهَا في حَالِ حُضُورِهِ ولا في حَالِ غِيَابِهِ، ولا تُؤذِي زَوجَهَا في أَهْلِهِ ولا في أَولادِهِ.

كَيفَ تُؤذِي المَرأَةُ الصَّالِحَةُ زَوجَهَا بِأَيِّ صُورَةٍ من صُوَرِ الإيذَاءِ، وقد سَمِعَت حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِن الْحُورِ الْعِينِ: لَا تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ اللهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ، يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا»؟ رواه الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

كَيفَ تُؤذِيهِ وتَعصِيهِ في مَعرُوفٍ، وقد سَمِعَت قَولَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اِثنَانِ لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمَا رُؤُوسَهُمَا: عَبدٌ آبِقٌ من مَوالِيهِ ـ أي: هَارِبٌ من سَادَاتِهِ ـ حَتَّى يَرجِعَ، وامرَأَةٌ عَصَتْ زَوجَهَا، حَتَّى تَرجِعَ»؟ رواه الحاكم عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

المَرأَةُ الصَّالِحَةُ لا تُنفِقُ من بَيتِ زَوجِهَا إلا بِإذنِهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ المَرأَةَ الصَّالِحَةَ لا تَتَصَرَّفُ في مَالِ زَوجِهَا إلا بِإذنِهِ، لأنَّهَا مُستَأمَنَةٌ عَلَيهِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» رواه الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

كَيفَ تَتَصَرَّفُ المَرأَةُ في مَالِ زَوجِهَا بِغَيرِ إذنِهِ، وقد بَلَغَهَا حَدِيثُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَهُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وهوَ يُوَدِّعُ أُمَّتَهُ التي رَبَّاهَا خِلالَ أَقَلَّ من رُبُعِ قَرنٍ.

روى الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: «لَا تُنْفِقْ امْرَأَةٌ شَيْئاً مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الطَّعَامَ؟

قَالَ: «ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا».

«وَلِزَوْجِهَا أَجْرُ مَا اكْتَسَبَ»:

أيُّها الإخوة الكرام: البَيتُ السَّعِيدُ هوَ ذَاكَ البَيتُ الذي لا خِصَامَ فِيهِ ولا نِزَاعَ، هوَ ذَاكَ البَيتُ الذي لا يُسمَعُ فِيهِ الكَلامُ اللَّاذِعُ القَاسِي، ولا النَّقْدُ المَرِيرُ، هوَ ذَاكَ البَيتُ الذي يَأوِي إِلَيهِ الزَّوجَانِ والأولادُ فَيَجِدُونَ فِيهِ الرَّاحَةَ والهُدُوءَ والطُّمَأنِينَةَ، ولَيسَ في العَالَمِ كُلِّهِ مَكَانٌ يُضَاهِي البَيتَ السَّعِيدَ جَمَالاً ورَاحَةً.

أيُّها الإخوة الكرام: السَّعَادَةُ الزَّوجِيَّةُ مَطلَبٌ عَزِيزٌ لِكُلِّ أُسرَةٍ، وهَدَفٌ قَرِيبُ المَنَالِ لِكُلِّ من كَانَ حَرِيصَاً عَلَيهِ وسَعَى إِلَيهِ، فمن أَسبَابِ السَّعَادَةِ أن لا تُنفِقَ المَرأَةُ من بَيتِ زَوجِهَا إلا بِإذنِهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: إذا أَنفَقَتِ المَرأَةُ من بَيتِ زَوجِهَا بِإذنِهِ كَانَ لَهَا أَجْرُ ما أَنفَقَت، ولِزَوجِهَا أَجْرُ ما اكتَسَبَ.

روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِك».

وفي رواية أبي داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُ مَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُ مَا اكْتَسَبَ، وَلِخَازِنِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ».

وروى النسائي عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَت: مَا تَصَدَّقَتِ المَرأَةُ من عَرْضِ بَيتِهَا فَالأَجْرُ بَينَهُمَا شَطرَانِ.

وروى الإمام أحمد عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَصَدَّقَت الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا بِهِ أَجْرٌ، وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئاً، لِلزَّوْجِ بِمَا اكْتَسَبَ، وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الكَثِيرُ من النَّاسِ اليَومَ حُرِمَ السَّعَادَةَ الزَّوجِيَّةَ، والعِيشَةَ الهَنِيَّةَ، فهوَ لا يَجِدُ السَّكَنَ النَّفْسِيَّ، بل يَعِيشُ في قَلَقٍ واضطِرَابٍ، وشِجَارٍ وخِصَامٍ بِسَبَبِ سُوءِ عَلاقَةِ الزَّوجَةِ مَعَ زَوجِهَا في مَالِهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ سِرَّ الضَّنكِ الذي تَحيَاهُ الآنَ كَثِيرٌ من البُيُوتِ هوَ البُعدُ عن مَنهَجِ اللهِ تعالى، وخَاصَّةً في النِّسَاءِ عِندَمَا يَتَصَرَّفْنَ بِمَالِ الزَّوجِ بِدُونِ إذنِهِ، لِيَسْمَعْ نِسَاؤُنَا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَهُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: «لَا تُنْفِقْ امْرَأَةٌ شَيْئاً مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا». هذا من أَسرَارِ سَعَادَةِ البُيُوتِ.

اللَّهُمَّ أَكرِمْنَا بِسَعَادَةِ الدَّارَينِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 6/محرم /1435هـ، الموافق: 30/تشرين الأول / 2014م