183ـ مع الحبيب المصطفى: «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

183ـ «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: مَا من شِدَّةٍ أو ضِيقٍ أو كَربٍ أو بَلاءٍ أو مُصِيبَةٍ تَقَعُ على إنسَانِ إلا وهُنَاكَ أُنَاسٌ سَبَقُوهُ في هذهِ الطَّرِيقِ، ومَا هيَ إلا أَوقَاتٌ مَعلُومَةٌ تَنقَضِي تِلكَ الشِّدَّةُ وذَاكَ الضِّيقُ والكَربُ.

أيُّها الإخوة الكرام: مِمَّا يُطفِئُ نَارَ المُصِيبَةِ على صَاحِبِهَا نَظْرَتُهُ إلى مَن حَولَهُ، فَلَو نَظَرَ يَمِينَهُ فَسَوفَ يَرَى صَاحِبَ مِحْنَةٍ، وَلَو نَظَرَ يَسَارَهُ فَسَوفَ يَرَى صَاحِبَ حَسْرَةٍ، وَلَو بَحَثَ في بُيُوتِ النَّاسِ فَلَن يَرَى فِيهَا إلا مُبتَلَىً بِمَوتِ مَحْبُوبٍ، أو بِوُقُوعِ مَكْرُوهٍ، والسَّعِيدُ فِينَا من تَدَبَّرَ قَولَهُ تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

لماذا التَّسَخُّطُ والجَزَعُ بَعدَ وَعْدِ اللهِ تعالى ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾؟ تَفَاءَلْ يَا صَاحِبَ المُصَابِ، يَا صَاحِبَ الشِّدَّةِ، يَا صَاحِبَ البَلاءِ، فإنَّهُ سُرعَانَ مَا يَأتِي الفَرَجُ من اللهِ تعالى.

الفَرَجُ بَعدَ الكَربِ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الفَرَجَ بَعدَ الكَربِ سُنَّةٌ إلَهِيَّةٌ مَاضِيَةٌ، وأَمْرٌ مُسَلَّمٌ فِيهِ، فَكَمَا أنَّ بَعدَ اللَّيلِ النَّهارَ، فَكذلكَ بَعدَ الكَربِ والضِّيقِ الفَرَجُ، ويَجِبُ على المُؤمِنِ أن لا يَستَعجِلَ الأُمُورَ قَبلَ وَقتِهَا المُقَدَّرِ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ.

روى الإمام البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ.

قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟

قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، واللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، أَو الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».

ويَقُولُ أَبُو الدَّردَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ قَالَ: «مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْباً، وَيُفَرِّجَ كَرْباً، وَيَرْفَعَ قَوْماً، وَيَخْفِضَ آخَرِينَ» رواه ابن ماجه والطَّبَرَانِيُّ.

ويَقُولُ الضَّحَّاكُ بنُ قَيسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: اُذكُرُوا اللهَ في الرَّخَاءِ يَذْكُرْكُم في الشِّدَّةِ، فَإِنَّ يُونُسَ كَانَ عَبْدَاً صَالِحَاً ذَاكِرَاً للهِ، فَلَمَّا وَقَعَ في بَطْنِ الحُوتِ قَالَ اللُه: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. وَإِنَّ فِرعَونَ كَانَ عَبْدَاً طَاغِيَاً نَاسِيَاً لِذِكْرِ اللهِ، فَلَمَّا ﴿أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ رواه ابن أبي شيبة.

المَخَاطِرُ تَتَحَوَّلُ إلى أَسبَابِ أَمْنٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: من كَانَت ثِقَتُهُ باللهِ تعالى عَظِيمَةً، ويَقِينُهُ باللهِ تعالى لا يَتَزَعزَعُ، فإنَّ المَخَاطِرَ تَتَحَوَّلُ إلى أَسبَابِ أَمْنٍ، لأنَّهُ مَا من شَيءٍ في السَّمَاوَاتِ والأَرضِ إلا وهوَ جُندِيٌّ من جُنُودِ اللهِ تعالى ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: يُولَدُ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ في ظِلِّ قَانُونٍ أَصدَرَهُ فِرعَونُ، بأَنْ يُقتَلَ كُلُّ طِفلٍ من بَنِي إسرَائِيلَ، وسَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ من بَنِي إسرَائِيلَ.

هذا القَرَارُ صَدَرَ من قِبَلِ البَشَرِ، من قِبَلِ مَن آتَاهُ اللهُ المُلْكَ، فاغتَرَّ بِمُلْكِهِ وسُلطَانِهِ، وَظَنَّ أنَّهُ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وأنَّهُ إذا قَالَ فَعَلَ، ونَسِيَ صَاحِبَ المَشِيئَةِ العُليَا القَائِلَ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾. والقَائِلَ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾. والقَائِلَ: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. صَدَرَ هذا القَرَارُ قَبلَ وِلادَةِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ.

وبَدَأَ جُنُودُ فِرعَونَ يَبحَثُونَ عن كُلِّ مَولُودٍ لِبَنِي إسرَائِيلَ لِتَنفِيذِ حُكْمِ الذي ﴿عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. بِئْسَ التَّارِيخُ الذي خَلَّفَهُ لِنَفْسِهِ بَعدَ مَوْتِهِ، بِئْسَ العَمَلُ الذي قَدَّمَهُ لِنَفْسِهِ.

اُنظُرُوا أيُّها الإخوة الكرام، كَيفَ تَتَحَوَّلُ المَخَاطِرُ إلى أَمْنٍ بالنِّسْبَةِ للإنسَانِ المُؤمِنِ الوَاثِقِ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما. وبِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَتَعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ» رواه الإمام أحمد عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: الإنسَانُ المُؤمِنُ سَعِيدٌ في كُلِّ قَضَاءٍ وقَدَرٍ يَنزِلُ من اللهِ تعالى، لأنَّهُ على يَقِينٍ بأنَّ الخَيرَ هوَ مَا اختَارَهُ اللهُ تعالى، لذلكَ لا يَسَعُ العَبدَ المُؤمِنَ إلا امتِثَالَ أَمْرِ اللهِ تعالى، لأنَّهُ على ثِقَةٍ بأنَّ الآمِرَ لَهُ ضَامِنٌ للنَّتَائِجِ.

أُمُّ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ تَخَافُ على وَلَدِهَا من فِرعَونَ وجُنُودِهِ، وهذا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ في البَشَرِ، ولكن إذا جَاءَ أَمْرُ اللهِ تعالى فلا يَسَعُ العَبدَ المُؤمِنَ إلا الامتِثَالُ، واللهُ تَبَارَكَ وتعالى ضَامِنٌ للنَّتَائِجِ المُبَشِّرَةِ.

هذا مَا يَتْلُوهُ عَلَينَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، لَعَلَّ إيمَانَنَا يَزدَادُ باللهِ تعالى، قال تعالى في شَأنِ أُمِّ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوَّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾.

لقد انقَلَبَ الخَوفُ إلى أَمْنٍ، وسَبَقَتِ الإرَادَةُ الإلَهِيَّةُ كُلَّ قَرَارٍ من البَشَرِ، وتَحَقَّقَ وَعْدُ اللهِ عزَّ وجلَّ لأُمِّ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ بِرَدِّهِ إِلَيهَا، ثمَّ لِيَكُونَ بَعدَ ذلكَ من المُرسَلِينَ.

أَرَادَ فِرعَونُ قَتْلَ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ خَوْفَاً على مُلْكِهِ، فَرَبَّاهُ هوَ في قَصْرِهِ، وحَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ بَينَهُ وبَينَ قَلبِهِ، وكَانَ هَلاكُهُ مُحَقَّقَاً.

الحَذَرُ لا يُغنِي من القَدَرِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الحَذَرَ لن يُغنِيَ من القَدَرِ، قال تعالى: ﴿واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

لقد أَخْبَرَ سَحَرَةُ فِرعَونَ فِرعَونَ بأنَّ زَوَالَ مُلْكِهِ سَيَكُونُ على يَدِ غُلامٍ من بَنِي إسرَائِيلَ، فَاحْتَرَزَ كُلَّ الاحتِرَازِ أن لا يُوجَدَ هذا الغُلامُ، فَأَصْدَرَ أَمْرَهُ بِقَتْلِ أَبنَاءِ بَنِي إسرَائِيلَ، واستِحْيَاءِ نِسَائِهِم، وخَافَتْ أُمُّ مُوسَى على وَلِيدِهَا، فَأَمَرَهَا اللهُ تعالى بإلقَائِهِ في اليَمِّ إذا خَافَتْ عَلَيهِ، وأَلْقَتْهُ في اليَمِّ امتِثَالاً لأَمْرِ اللهِ تعالى، فَأَمَرَ اللهُ تعالى اليَمَّ أن يَحْمِلَ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ إلى قَصْرِ فِرعَونَ، قال تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾. وانتَهَتِ القَضِيَّةُ، وانقَلَبَ الخَوفُ إلى أَمَانٍ.

﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: وَعْدُ اللهِ تعالى لا يُخْلَفُ «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» اُنظُرُوا كَيفَ يُحَقِّقُ اللهُ تعالى وَعْدَهُ من حَيثُ لا يَحْتَسِبُ النَّاسُ.

أَلقَى اليَمُّ بِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ في قَصْرِ فِرعَونَ الذي أَمَرَ بِقَتْلِ أَطفَالِ بَنِي إسرَائِيلَ، فهذا طِفْلٌ مِنهُم، ولكنَّ الذي جَاءَ بِهِ إلى قَصْرِ فِرعَونَ هوَ اللهُ تعالى، لِيُكَذِّبَ فِرعَونَ في ادِّعَائِهِ، فَمَا كَانَ من رَبِّ الأَربَابِ، ومَالِكِ المُلُوكِ والقُلُوبِ، إلا أن أَلقَى في قَلْبِ زَوجَةِ فِرعَونَ السَّيِّدَةِ آسِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها مَحَبَّةَ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ، فَأَنطَقَهَا اللهُ تعالى بِقَولِهَا: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. وكَانَتِ السَّيِّدَةُ آسِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها لا تَلِدُ.

وحَرَّكَ اللهُ تعالى قَلْبَ أُمِّ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ أن تُرسِلَ أُختَهُ لِتَقُصَّ خَبَرَهُ، قال تعالى مُخبِرَاً عَنهَا: ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾.

فَرِحَ مَن في القَصْرِ بهذهِ البِشَارَةِ، وحَمَلُوا سَيِّدَنَا موسَى عَلَيهِ السَّلامُ مُعَزَّزَاً مُكَرَّمَاً وَرَدُّوهُ إلى أُمِّهِ وهُم لا يَشعُرُونَ، وأَعطُوهَا على إِرْضَاعِهِ أَجْرَاً، وتَحَقَّقَتْ بِشَارَةُ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. فَقَالَ تعالى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الثِّقَةُ باللهِ تعالى هيَ خُلاصَةُ التَّوَكُّلِ على اللهِ تعالى، وهيَ قِمَّةُ التَّفْوِيضِ إلى اللهِ تعالى، وهيَ الاطمِئْنَانُ القَلْبِيُّ الذي لا يُخَالِطُهُ شَكٌّ.

أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ هوَ الأَعلَمُ بِمَا يُصْلِحُنَا، وهوَ الأَعلَمُ بِمَا يَنفَعُنَا ومَا يَضُرُّنَا ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾؟

إنَّ الثِّقَةَ بِقَولِ اللهِ تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. تَجعَلُنَا في سَعَادَةٍ وطُمَأنِينَةِ قَلْبٍ، تَجعَلُنَا على ثِقَةٍ بِوَعْدِ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾. فالفَرَجُ بَعدَ الكَربِ آتٍ إن شَاءَ اللهُ تعالى، واليُسْرُ بَعدَ العُسْرِ مُحَقَّقٌ إن شَاءَ اللهُ تعالى، ولكنْ، عَلَينَا بالصَّبْرِ والتَّقْوَى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لذلكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الخميس: 26/صفر/1435هـ، الموافق: 18/كانون الأول / 2014م