34ـ أشراط الساعة: بقاء الطائفة المنصورة

 

أشراط الساعة

34ـ بقاء الطائفة المنصورة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَخْبَرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى أَكْرَمَ هذهِ الأُمَّةَ بِأَنَّهَا لا ولَنْ تَجْتَمِعَ على ضَلالَةٍ، وإِنَّ من تَوْفِيقِ اللهِ تعالى لهذهِ الأُمَّةِ أَنْ تَبْقَى طَائِفَةٌ من هذهِ الأُمَّةِ ظَاهِرَةٌ على الحَقِّ، لا يَضُرُّهَا مَن خَالَفَهَا، ولا مَن خَذَلَهَا، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الرُّومَ والدَّجَّالَ واليَهُودَ، وحَتَّى نِهَايَةِ الدُّنيَا، حَيْثُ تَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمُ الرِّيحُ البَارِدَةُ التي تَقْبِضُ أَرْوَاحَ المُؤْمِنِينَ، لِيَبْقَى الأَشْرَارُ، وعَلَيهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ.

روى الإمام مسلم عَن مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ».

وفي رِوَايَةِ الإمام البخاري قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ.

وروى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».

وفي رِوَايَةٍ لَهُ عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».

هذهِ الطَّائِفَةُ بَاقِيَةٌ حَتَّى نُزُولِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ:

أيُّها الإخوة الكرام: من فَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ على هذهِ الأُمَّةِ بِأَنَّ هذهِ الطَّائِفَةَ بِاقِيَةٌ حَتَّى يَنْزِلَ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ، فَيُصَلِّيَ خَلْفَ أَمِيرِهَا المَهْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وتُقَاتِلَ مَعَهُ الدَّجَّالَ واليَهُودَ.

روى الإمام مسلم عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا.

فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ».

المُسْتَقْبَلُ لهذا الدِّينِ:

أيُّها الإخوة الكرام: المُسْتَقْبَلُ لهذا الدِّينِ، المُسْتَقْبَلُ لهذا الإِسْلامِ، وقَد يَقُولُ قَائِلٌ في مَرَارَةٍ وحَسْرَةٍ: أَيَّةُ بُشْرَى بِمُسْتَقْبَلٍ للإِسْلامِ والنِّزَاعَاتُ الوَحْشِيَّةُ تُلاحِقُ المُسْلِمِينَ؟ أَيَّةُ بُشْرَى وأَيُّ أَمَلٍ وقَد اقْتَتَلَ المُسْلِمُونَ فِيمَا بَيْنَهُم؟

نَعَم أيُّها الإخوة الكرام، إِنَّ أَشَدَّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ سَوَادَاً هيَ السَّاعَةُ التي يَلِيهَا ضَوْءُ الفَجْرِ، وفَجْرُ الإِسْلامِ الحَقِّ قَادِمٌ لا مَحَالَةَ، كَقُدُومِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، وإِنَّ الأُمَّةَ قَد تَمْرَضُ وتَعْتَرِيهَا فَتَرَاتٌ من الرُّكُودِ الطَّوِيلِ، ولَكِنَّهَا بِفَضْلِ اللهِ تعالى لَنْ تَمُوتَ.

لَنْ تَمُوتَ هذهِ الأُمَّةُ، لأَنَّ رَصِيدَ الفِطْرَةِ مَعَهَا، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ،      أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتِجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ».

لَنْ تَمُوتَ هذهِ الأُمَّةُ، لأَنَّ اللهَ تعالى وَعَدَ الأُمَّةَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.

لَنْ تَمُوتَ هذهِ الأُمَّةُ، لأَنَّ اللهَ تعالى وَعَدَ بِإِظْهَارِ هذا الدِّينِ، قَالَ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقَّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

خَيْرِيَّةُ هذهِ الأُمَّةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ الأُمَّةُ اخْتَصَّهَا اللهُ عزَّ وجلَّ على سَائِرِ الأُمَمِ، واخْتَصَّهَا بِكَرَامَاتٍ كَثِيرَةٍ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، من هذهِ الكَرَامَاتِ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ باللهِ﴾.

وروى الترمذي عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾. قَالَ: «إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ».

أيُّها الإخوة الكرام: لَيسَ على وَجْهِ الأَرْضِ دِينٌ حَقٌّ يُتَعَبَّدُ اللهُ بِهِ سِوَى الإِسْلامِ، الذي هوَ خَاتَمٌ ونَاسِخٌ لما قَبْلَهُ من المِلَلِ والشَّرَائِعِ والأَدْيَانِ، وكُلُّ مَن حُرِمَ هذا الدِّينَ ومَاتَ على غَيْرِ مِلَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ هوَ من أَهْلِ النَّارِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

أيُّها الإخوة الكرام: مَهمَا حَاوَلَ أَعْدَاءُ الإِسْلامِ، ومَهمَا سَعَوْا في إِنْزَالِ أَنْوَاعِ الفِتَنِ في هذهِ الأُمَّةِ بِقَصْدِ شَلَلِ هذهِ الأُمَّةِ، وإِطْفَاءِ نُورِ اللهِ تعالى فَلَنْ يَسْتَطِيعُوا، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

ولِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزَّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلَّاً يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ» رواه الإمام أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ولِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: كُونُوا على يَقِينٍ بِبَقَاءِ الطَّائِفَةِ الظَّاهِرَةِ على الحَقِّ، فَإِنْ لَمْ نَكُنْ من هذهِ الطَّائِفَةِ، فاللهُ تعالى تَوَعَّدَ مَن أَعْرَضَ عَن هذا الدِّينِ سُلُوكَاً وعَمَلاً بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمَاً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾. وبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُشَرِّفَنَا بالتَّمَسُّكِ بهذا الدِّينِ، وبالدَّعْوَةِ إِلَيهِ بالتي هيَ أَحْسَنُ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الأربعاء: 23/ شعبان /1436هـ، الموافق: 10/حزيران / 2015م