25ـ مع الصحابة وآل البيت رضي: توديعه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ للحياة (1)

 

مع الصحابة و آل البيترَضِيَ اللهُ عَنهُم

25ـ توديعه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ للحياة (1)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ المَوْتَ حَقٌّ لا شَكَّ فِيهِ، ولا يَرْتَابُ فِيهِ أَحَدٌ مُؤْمِنَاً كَانَ أَم كَافِرَاً، وإِنَّ الدُّنيَا إلى زَوَالٍ، ومَا من لَحْظَةٍ تَمُرُّ بِنَا، ومَا من دَقِيقَةٍ تَمْضِي إلا وتُقَرِّبُنَا من أَجَلِنَا المَحْتُومِ الذي لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى.

أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا عزَّ وجلَّ قَبْلَ أَنْ يُنَادِينَا لِصَلاةِ الجُمُعَةِ، وقَبْلَ أَنْ يَأْمُرَنَا بالذَّهَابِ لِصَلاةِ الجُمُعَةِ، ولاسْتِمَاعِ الذِّكْرِ فِيهَا، أَمَرَنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ قَضِيَّةَ المَوْتِ، فَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْـمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: مَهمَا هَرَبْنَا من المَوْتِ وفَرَرْنَا مِنهُ فَإِنَّهُ مُدْرِكُنَا، قَالَ تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾. ومَا نَجَا من هذهِ القَضِيَّةِ سَيِّدُ الخَلْقِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، بَل خَاطَبَهُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ بِخِطَابٍ وَاضِحٍ، فَقَالَ لَهُ: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾. وقَالَ لَهُ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾. وقَالَ في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئَاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾. فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مَشْمُولُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾.

عَلامَاتُ تَوْدِيعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ للحَيَاةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: بَدَأَتْ عَلامَاتُ تَوْدِيعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ للحَيَاةِ تَظْهَرُ شَيْئَاً فَشَيْئَاً، وصَارَتْ تَتَّضِحُ من خِلالِ عِبَارَاتِهِ وأَفْعَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، من هذهِ العَلامَاتِ:

أولاً: الاعْتِكَافُ عِشْرِينَ يَوْمَاً:

أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ تَوْدِيعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الحَيَاةَ، أَنَّهُ اعْتَكَفَ في رَمَضَانَ في السَّنَةِ العَاشِرَةِ من الهِجْرَةِ عِشْرِينَ يَوْمَاً، بَيْنَمَا كَانَ لا يَعْتَكِفُ إلا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وكَأَنَّهُ كَانَ يُحِسُّ أَنَّ رَمَضانَ القادِمَ في السَّنَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ سَيَكُونُ في رِحَابِ اللهِ تعالى مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمَاً.

ثانياً: «لا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هذا»:

أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ تَوْدِيعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الحَيَاةَ، قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لِسَيِّدِنَا مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا».

روى الإمام أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ.

فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا         أَوْ قَبْرِي».

فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعَاً لِفِرَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا، وَحَيْثُ كَانُوا».

ثالثاً: «لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا»:

أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ تَوْدِيعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الحَيَاةَ، قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: «لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا».

روى الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَوْضَعَ ـ أَيْ: أَسْرَعَ السَّيْر بِإِبِلِهِ ـ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، وَزَادَ فِيهِ بِشْرٌ: وَأَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ ـ أَيْ: مِن الْمُزْدَلِفَةِ ـ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَأَمَرَهُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَزَادَ فِيهِ أَبُو نُعَيْمٍ: وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ ـ كَقَدْرِ حَبَّةِ الْبَاقِلَاءِ ـ وَقَالَ: «لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا».

رابعاً: نُزُولُ سُورَةِ النَّصْرِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ تَوْدِيعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الحَيَاةَ، نُزُولُ سُورَةِ النَّصْرِ، روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟

فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ.

قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ، قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي.

فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً﴾. حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدْرِي؛ أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئَاً.

فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟

قُلْتُ: لَا.

قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟

قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللهُ لَهُ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ﴾. فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً﴾.

قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ.

خامساً: صَلاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على شُهَدَاءِ أُحُدٍ:

أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ تَوْدِيعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الحَيَاةَ، صَلاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على شُهَدَاءِ أُحُدٍ، كَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كالمُوَدِّعِ للأَحْيَاءِ والأَمْوَاتِ.

روى الإمام البخاري عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَاً فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي واللهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَإِنِّي واللهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا».

سادساً: اِسْتِغْفَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لأَهْلِ البَقِيعِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ تَوْدِيعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الحَيَاةَ، اِسْتِغْفَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لأَهْلِ البَقِيعِ.

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي».

فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللهُ مِنْهُ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا، الْآخِرَةُ شَرٌّ مِن الْأُولَى».

قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةِ».

قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ.

قَالَ: «لَا واللهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةَ».

ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَبُدِئَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَضَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ يُشِيرُ إلى تَوْدِيعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ للحَيَاةِ وللأَحْيَاءِ والأَمْوَاتِ، وكَانَتْ نِسَاؤُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُنَّ يَرَيْنَ مِنهُ ذلكَ، ويَتَوَجَّسْنَ مِنهُ، وخَاصَّةً السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، والسَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّ مَن عَلَيهَا فَانٍ، إلا مَن تَفَرَّدَ بالبَقَاءِ، الأَحَدُ الذي لا يَزُولُ، والحَيُّ الذي لا يَمُوتُ، مَن كَتَبَ المَوْتَ على جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ، فَقَالَ: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾.

فَهَلْ يُدْرِكُ أَحَدُنَا أَنَّ هذهِ الحَيَاةَ الدَّنيَا مَمَرٌّ لا مَقَرٌّ، وهَلْ نَتَزَوَّدُ من مَمَرِّنَا إلى مَقَرِّنَا؟

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لذلكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 1/رمضان /1435هـ، الموافق: 18/حزيران / 2015م