3ـ أسماء الله تعالى الحسنى: اسم الله تعالى القدُّوس

 

 أسماء الله تعالى الحسنى وأثرها في المؤمن

3ـ اسم الله تعالى القدُّوس

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيُّها الإخوة الكرام: من أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى القُدُّوسُ، قَالَ تعالى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.

القُدُّوسُ هوَ المُنَزَّهُ عَن كُلِّ عَيْبٍ، وعَن كُلِّ مَا لا يَلِيقُ بِهِ تَبَارَكَ تعالى، التَّقْدِيسُ هوَ التَّطْهِيرُ، والأَرْضُ المُقَدَّسَةُ: الأَرْضُ المُطَهَّرَةُ، وسُمِّيَتِ الجَنَّةُ حَظِيرَةَ القُدْسِ، لأَنَّهَا مُطَهَّرَةٌ من آفَاتِ الدُّنيَا، وسُمِّيَ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ رُوحَ القُدُسِ، لأَنَّهُ طَاهِرٌ من العُيُوبِ في تَبْلِيغِ الوَحْيِ.

تَعْرِيفَاتُ اسْمِ اللهِ تعالى القُدُّوسِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد ذَكَرَ العُلَمَاءُ في شَرْحِ اسْمِ اللهِ تعالى القُدُّوسِ مَعَانِيَ مُتَعَدِّدَةً، مِنهَا:

أولاً: تَقْدِيسُ ذَاتِهِ عَن الحَاجَاتِ:

أيُّها الإخوة الكرام: اللهُ تَبَارَكَ تعالى ذَاتُهُ مُقَدَّسَةٌ عَن الحَاجَاتِ، فَهُوَ غَنِيٌّ عَن العَالَمِينَ، ولَيسَ بِحَاجَةٍ إلى شَيْءٍ، وكُلُّ شَيْءٍ بِحَاجَةٍ إلى اللهِ تعالى، فَهُوَ صَمَدٌ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ﴾. يَعْنِي المَقْصُودُ من جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ.

أَمَّا العَبْدُ فَمَهمَا كَانَتْ شَخْصِيَّتُهُ عَظِيمَةً، ومَهمَا كَانَتْ قُوَّتُهُ وهَيْمَنَتُهُ وجَلَدُهُ، فَجَمِيعُ صِفاتِ الكَمَالِ فِيهِ تَتَلاشَى أَمَامَ شَرْبَةِ مَاءٍ في سَاعَةِ الظَّمَأِ.

رُوِيَ أَنَّ ابْنَ السَّمَّاكِ دَخَلَ على الرَّشِيدِ يَوْمَاً فَاسْتَسْقَى، فَأُتِيَ بِكُوبٍ، فَلَمَّا أَخَذَهُ قَالَ: عَلَى رِسْلِكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَو مُنِعْتَ هذهِ الشَّرْبَةَ بِكَمْ كُنْتَ تَشْتَرِيهَا؟

قَالَ: بِنِصْفِ مُلْكِي.

قَالَ: اِشْرَبْ هَنَّأَكَ اللُه تعالى.

فَلَمَّا شَرِبَهَا قَالَ: أَسْأَلُكَ لَو مُنِعْتَ خُرُوجَهَا من بَدَنِكَ بِمَاذَا كُنْتَ تَشْتَرِي خُرُوجَهَا؟

قَالَ: بِجَمِيعِ مُلْكِي.

قَالَ: إِنَّ مُلْكَاً قِيمَتُهُ شَرْبَةُ مَاءٍ وَبَوْلُهُ لَجَدِيرُ أَنْ لا يُنَافَسَ فِيهِ؛ فَبَكَى هَارُونُ الرَّشِيدُ بُكَاءً شَدِيدَاً.

ثانياً: القُدُّوسُ هوَ الذي لا يَصْدُرُ عَنهُ إلا مُقَدَّسٌ:

أيُّها الإخوة الكرام: القُدُّوسُ هوَ الذي لا تَصْدُرُ عَنهُ إلا الأَفْعَالُ المُقَدَّسَةُ، والأَقْوَالُ المُقَدَّسَةُ، أَي على أَكْمَلِ الكَمَالِ، ومن ثَمَّ فَأَفْعَالُهُ وأَقْوَالُهُ مُطَهَّرَةٌ تَمَامَاً من أَيِّ عَيْبٍ أو خَلَلٍ، فَهُوَ الحَقُّ، وقَوْلُهُ الحَقُّ، وَوَعْدُهُ الحَقُّ، وَرِسَالَاتُهُ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، قَالَ تعالى: ﴿قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقَاً وَعَدْلَاً﴾. صِدْقَاً في الخَبَرِ لا تَزِيدُ ولا تَنْقُصُ، وعَدْلاً في الأَمْرِ، وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.

ثالثاً: القُدُّوسُ هوَ الذي يُقَدِّسُ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ:

أيُّها الإخوة الكرام: القُدُّوسُ المُنَزَّهُ عَن كُلِّ وَصْفٍ نَاقِصٍ، هوَ الذي يُقَدِّسُ مَن شَاءَ من خَلْقِهِ وِفْقَ مُرَادِهِ وحُكْمِهِ، روى البيهقي عَن يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لا يُقَدِّسُ أُمَّةً لا يُؤْخَذُ للضَّعِيفِ فِيهِم حَقُهُ».

وروى الحاكم عَن أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، عن الَّنِبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لا يُقَدِّسُ أُمَّةً لا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ حَقَّهُ من القَوِيِّ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتِعٍ» أي: دُونَ أَنْ يُصِيبَهُ أَذَىً أو ضَرَرٌ.

وروى ابن ماجه عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: «أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟».

قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتَىً مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا.

فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدَاً؟

قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ».

دُعَاءُ اللهِ تعالى بِاسْمِهِ القُدُّوسِ:

أيُّها الإخوة الكرام: إذا عَرَفْنَا بِأَنَّ اللهَ تعالى هوَ القُدُّوسُ المُنَزَّهُ، وهوَ الذي يُقَدِّسُ مَن شَاءَ من عِبَادِهِ، فَلْنَدْعُ اللهَ تعالى بِقُلُوبِنَا، اللَّهُمَّ يَا قُدُّوسُ، طَهِّرْ قُلُوبَنَا من الكُفْرِ والنِّفَاقِ، وأَعْمَالَنَا من الرِّيَاءِ، وأَعْيُنَنَا من الخِيَانَةِ، اللَّهُمَّ يَا قُدُّوسُ، قَدِّسْ أَرْوَاحَنَا باسْتِعْمَالِنَا فِيمَا يُرْضِيكَ عَنَّا، اللَّهُمَّ يَا قُدُّوسُ، طَهِّرْنَا من ذُنُوبِنَا وخَطَايَانَا كَمَا طَهَّرْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ من الدَّنَسِ، واسْلُلْ سَخِيمَةَ صُدُورِنَا، وطَهِّرْ قُلُوبَنَا حَتَّى لا تَشْبَعَ كَلامَكَ، وأَهِّلْنَا لِمَنَازِلِ الأَبْرَارِ، وارْفَعْ دَرَجَاتِنَا عِنْدَكَ. آمين.

أيُّها الإخوة الكرام: من فَضْلِ اللهِ تعالى القُدُّوسِ عَلَينَا أَنْ شَرَعَ لَنَا العِبَادَاتِ التي تُطَهِّرُنَا من ذُنُوبِنَا وخَطَايَانَا، على سَبِيلِ المِثَالِ الوُضُوءِ، روى الإمام مسلم عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: مَن عَرَفَ اللهَ تعالى أَنَّهُ قُدُّوسٌ، جَاهَدَ نَفْسَهُ في تَطْهِيرِهَا طَمَعَاً أَنْ يَكُونَ مَعَ اللهِ تعالى، لأَنَّ مُجَالَسَةَ اللهِ تعالى لا تَكُونُ إلا لأَصْحَابِ النُّفُوسِ المُطَهَّرَةِ.

مَن عَرَفَ اسْمَ اللهِ تعالى القُدُّوسُ، والْتَزَمَ شَرْعَ اللهِ تعالى الذي يُطَهِّرُهُ من كُلِّ نَقْصٍ، فَإِنَّهُ يَبْقَى حَرِيصَاً على طَهَارَةِ ذَاتِهِ ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً.

نَقَلَ الإِمَامُ أَبُو نُعَيمٍ عَن أَشَدِّ هَذِهِ الأُمَّةِ حَيَاءً بَعَدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَلَا وَهُوَ عُثمَانَ بنَ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، يُنقَلَ عَنهُ فِي تَرجَمَتِهِ فِي الحِليَةِ أَنَّهُ قَالَ: مَا مَسَسْتُ عُضوِي بِيَدِي مُنذُ أَن بَايَعتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَي: مَا مَسَّ ذَكَرَهُ بِيَدِهِ بَعدَ أَن صَافَحَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أيُّها الإخوة الكرام: مَن عَرَفَ اسْمَ اللهِ تعالى القُدُّوسِ سَمَتْ هِمَّتُهُ حَتَّى يُطَهِّرَهُ اللهُ تعالى من جَمِيعِ عُيُوبِهِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بذلكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

السبت: 3/رمضان /1435هـ، الموافق: 20/حزيران / 2015م