4ـ أسماء الله تعالى الحسنى: اسم الله تعالى السَّلام

 

 أسماء الله تعالى الحسنى وأثرها في المؤمن

4ـ اسم الله تعالى السَّلام

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى السَّلامُ، قَالَ تعالى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ﴾.

هذا الاسْمُ المُبَارَكُ لَمْ يَرِدْ في القُرْآنِ العَظِيمِ إلا في هذا المَوْضِعِ، وَرَدَ مُطْلَقَاً مُعَرَّفَاً مُرَادَاً بِهِ العِلْمِيَّةُ.

روى الإمام البخاري عَن عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ.

فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ؛ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ للهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».

وروى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثَاً وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ السَّلامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ».

مَعْنَى اسْمِ السَّلامِ:

أيُّها الإخوة الكرام: كَلِمَةُ السَّلامِ تَدُلُّ على الخَلاصِ والنَّجَاةِ، ويُقَالُ للجَنَّةِ دَارُ السَّلامِ، لأَنَّهَا دَارُ السَّلامَةِ من الهُمُومِ والآفَاتِ، بَاقِيَةٌ بِنَعِيمِهَا، وأَهْلُهَا في أَمَانٍ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ، قَالَ تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

ومن السَّلامَةِ أَيْضَاً التَّحِيَّةُ الخَالِصَةُ من سُوءِ الطَّوِيَّةِ وخُبْثِ النِّيَّةِ، فَسُمِّيَتِ التَّحِيَّةُ في الإِسْلامِ سَلامَاً، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعَاً، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِن الْمَلَائِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ.

فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.

فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ؛ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ».

أيُّها الإخوة الكرام: اللهُ عزَّ وجلَّ هوَ السَّلامُ لِسَلامَتِهِ من العُيُوبِ والنَّقَائِصِ، فَهُوَ الذي سَلِمَ في ذَاتِهِ بِنُورِهِ وجَلالِهِ، فَمِن جَمَالِهِ وسُبُحَاتِ وَجْهِهِ احْتَجَبَ عَن خَلْقِهِ رَحْمَةً بِهِم، وابْتِلاءً لَهُم، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ ـ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ النَّارُ ـ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ».

دَعْوَةُ اللهِ تعالى عِبَادَهُ إلى السَّلامَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: اللهُ تعالى السَّلامُ هوَ الذي يَدْعُو عِبَادَهُ إلى السَّلامَةِ، وإِفْشَاءِ السَّلامِ، فَأَثْنَى على عِبَادِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنَاً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامَاً﴾.

وكذلكَ يَدْعُو عِبَادَهُ إلى سُبُلِ السَّلامِ، قَالَ تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾.

وكذلكَ يَدْعُو عِبَادَهُ إلى دَارِ السَّلامِ، قَالَ تعالى: ﴿واللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. فَكُلُّ سَلامَةٍ مَنْشَؤُهَا مِنهُ تعالى، ونِسْبَتُهَا إِلَيهِ.

وَصْفُ ذَاتِ اللهِ بالسَّلامَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِسْمُ السَّلامِ يَدُلُّ على ذَاتِ اللهِ تعالى، فَهُوَ سُبْحَانَهُ وتعالى ذُو السَّلامَةِ من النَّقَائِصِ والعُيُوبِ، فَهُوَ السَّلامُ، ومِنهُ السَّلامُ، كَمَا روى الإمام مسلم، من حَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَرْفُوعَاً: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».

أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا السَّلامُ هوَ الذي سَلَّمَ أَهْلَ الجَنَّةِ من كُلِّ مَا يُنَغِّصُهُم فِيهَا، ومن كُلِّ مَا يُكَدِّرُ صَفْوَهُم، قَالَ تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلَاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾.

دُعَاءُ اللهِ تعالى بِاسْمِ السَّلامِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الدُّعَاءَ بِاسْمِ اللهِ تعالى السَّلامِ، وروى الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثَاً وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ».

وروى الإمام مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفَاً».

وروى الإمام أحمد والترمذي عَن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ».

أَثَرُ اسْمِ السَّلامِ في المُؤْمِنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: مَن عَرَفَ اسْمَ اللهِ تعالى السَّلامِ، وتَغَلْغَلَ هذا الاسْمُ في قَلْبِهِ، سَلِمَ النَّاسُ من أَذِيَّتِهِ، وذلكَ من خِلالِ تَوْجِيهِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ للمُؤْمِنِ بهذا الاسْمِ، روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

وروى كذلكَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «واللهِ لَا يُؤْمِنُ، واللهِ لَا يُؤْمِنُ، واللهِ لَا يُؤْمِنُ».

قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: المُؤْمِنُ بِاسْمِ اللهِ تعالى السَّلامِ حَقَّ الإِيمَانِ، هوَ مَن سَلِمَ النَّاسُ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، وَكَانَ عَلى اللهِ تَعَالَى أن يُسَلِّمَهُ مِن أَهوَالِ وَكُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بذلكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 4/رمضان /1435هـ، الموافق: 21/حزيران / 2015م