1ـ من وصايا الصالحين: (الوصية الأولى)

 

الحمد لله الذي حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرَّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وجعلنا من الراشدين. الحمد لله الذي ألف بين قلوبنا فأصبحنا بنعمته إخواناً، ونزع الغل من قلوبنا حتى نبقى في الدنيا أصدقاء وأحباباً، وفي الآخرة رفقاء وخلاناً على سرر متقابلين.

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا وقرة أعيننا سيدنا محمد وعلى وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فإن حقوق الأخوة عظيمة علينا، وهي من أفضل القربات التي يتقرب بها المؤمنون إلى الله عز وجل، ومن أعظم هذه الحقوق حق التواصي، حيث يتجلى فيه إرادة الخير للموصى، ودعاؤه إلى ما فيه صلاحه، وهو مظهر من مظاهر المحبة ومزيد الاهتمام، والمؤمن مع أخيه المؤمن كل واحد معطٍ ومتلقٍّ في آن واحد، لأن كل واحد منهما يوصي صاحبه، فالمؤمن تارة يكون ناصحاً وأخرى منصوحاً.

ولقد أقسم مولانا جل جلاله أن الإنسان لفي خسر، إلا من توفرت فيه أربع خصال، هي: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وذلك بقوله تعالى: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.

يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم. صدق الإمام رحمه الله تعالى، لأن السورة نظمت حياة الفرد والمجتمع.

أما الفرد فحظه من هذه السورة الإيمان والعمل الصالح، وأما المجتمع فحظه أن يوصي الناس بعضهم بعضاً بالحق والصبر، أي بأداء الطاعات وترك المعاصي والمنكرات من ناحية، وعلى تحمل الابتلاءات والأذى من ناحية أخرى، ولا يتحقق هذا التواصي إلا عند الاجتماع والتشاور في أمور الدين والدنيا.

وإني من خلال هذا الموقع أحببت أن أجعل في زاوية لأقدم من خلالها الوصية لنفسي أولاً، لأن من لا يوصي نفسه أولاً قلما أن يوصي غيره، ثم أقدم تلك الوصايا لإخوتي وأحبائي في الله، وكل المؤمنين إخوتي وأحبائي، وهذه الوصايا ليست من كلامي، وإنما هي من كلام الله أولاً، ثم من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانياً، ثم من كلام أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من كلام العلماء الربانيين ورثة النبي صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله تعالى أن يجعل كلامي حجة لي لا علي، وأرجو من إخوتي أن يذكروني بدعوة صالحة، وهاأنا أبدأ بهذه الوصايا من كتاب الله عز وجل.

الوصية الأولى من كتاب الله عز وجل

يقول تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء: 131].

التقوى هي: حفظ النفس عما يُؤثِم، وذلك بترك المحظور وفعل المأمور.

وقيل هي: الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وصيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك.

وقيل هي: المحافظة على آداب الشريعة، ومجانبة كل ما يبعد المرء عن الله تعالى.

روى الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: (اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمرِكم، تدخلوا جنة ربكم).

وروى أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رجلاً جاءه فقال: أوصني. فقال: سألتَ عما سألتُ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك فقال: (أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض).

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني. فقال صلى الله عليه وسلم: (عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف).

فلما أن ولى الرجل قال: (اللهم اطوِ له البعد، وهون عليه السفر). الشرف: المكان المرتفع.

وروى الترمذي كذلك عن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أريد سفراً فزودني. فقال صلى الله عليه وسلم: (زودك الله التقوى). قال: زدني. قال: (وغفر ذنبك). قال: زدني بأبي أنت وأمي. قال: (ويسر لك الخير حيثما كنت).

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أكرمهم أتقاهم).

وروى أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي).

وروى أحمد في مسنده، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن، أو يعلم من يعمل بهن؟) فقال أبو هريرة رضي الله عنه: قلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي وعدَّ خمساً وقال:

(اتق المحارم تكن أعبد الناس.

وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.

وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً.

وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً.

ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب).

من ثمرات التقوى:

1- معية الله للمتقين.

2- البشرى بالتكريم للمتقين.

3- تكفير الذنوب، وتعظيم الأجر.

4- الوعد بالمغفرة وزوال الخوف من النفوس.

5- العون من الله والنصرة منه للمتقين.

6- عز الفوقية على سائر الخلق.

7- الخروج من الهم والمحنة، والوعد بالرزق الواسع.

8- الفوز بالجنة في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

9- محبة الله للمتقين.

10- التوفيق والشهادة بالصدق لهم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتقين، وإلى لقاء آخر مع الوصية الثانية من القرآن الكريم. نستودعكم الله تعالى.

أخوكم أحمد